مع هيمنة الذكاء الاصطناعي على النقاشات بين قادة السياسة والأعمال في المنتدى الاقتصادي العالمي، برز إلى السطح وافد جديد نسبياً، حاز انتباه الحضور في «دافوس»، وهو شركة ميسترال الفرنسية الناشئة المتخصصة في الذكاء الاصطناعي.
وقد أكد الرؤساء التنفيذيون لثلاث من كبرى شركات التكنولوجيا، لـ«فايننشال تايمز»، أن النموذج الأحدث للذكاء الاصطناعي للمجموعة كان واحداً من أفضل المنتجات المتاحة، وفقاً للمعايير الفنية التي تستخدمها الشركات لتقييم أدائها.
وأثنى مسؤول تنفيذي لشركة تكنولوجيا أمريكية كبيرة على «ميسترال» البالغة من العمر تسعة أشهر، معتبراً أنها تؤدي «عملاً رائعاً» في منافستها لنماذج متطورة تنتجها شركات أمريكية كبرى، مثل «أوبن إيه آي» و«غوغل». وتتحدى تكنولوجيا «ميسترال» وجهة النظر السائدة، المتمثلة في أن السباق للهيمنة على الذكاء الاصطناعي التوليدي، وهي الأنظمة التي بإمكانها توليد نصوص ومحتوى إعلامي وأكواد خلال ثوانٍ وكأن البشر هم من أنتجوها، أصبح معركة تدور رحاها بين جانبين، هما «غوغل» والتحالف الذي تبلغ قيمته مليارات الدولارات بين «مايكروسوفت» و«أوبن إيه آي».
وفي أوروبا وأماكن أخرى، أعاد الاهتمام المتزايد بـ«ميسترال» إحياء احتمالية قدرة الداخلين المتأخرين على تأمين حصة كبيرة من سوق سريعة النمو، مع التراجع المطرد لتكاليف الحوسبة في تطوير الذكاء الاصطناعي.
وتمكنت «ميسترال»، المطورة لنماذج لغوية كبيرة، وهي التكنولوجيا الكامنة وراء منتجات الذكاء الاصطناعي التوليدي مثل روبوتات الدردشة، من الحصول على تقييم قدره مليارا يورو، الشهر الماضي، في جولة تمويل بقيمة 400 مليون يورو، ومع ذلك تواجه الشركة منافسين أفضل تمويلاً، مثل «أوبن إيه آي» مطورة «تشات جي بي تي»، التي تقدّر بقيمة 86 مليار دولار، لكن الشركة الناشئة الفرنسية مدعومة، هي الأخرى، من جهات ذات ثقل في وادي السيليكون، بما في ذلك «جنرال كاتاليست» و«أندريسن هورويتز». وأفصح فلوريان بريسان، الرئيس التنفيذي للأعمال لدى «ميسترال»، لـ«فاينانشال تايمز»، بأن الشركة تمكنت هذا الأسبوع من جلب «إنفيديا» التي تعد المصنعة الرائدة عالمياً لرقائق الذكاء الاصطناعي، بصفتها مستثمراً وشريكاً استراتيجياً. وتتيح هذه الخطوة للشركة الناشئة إمكانية الوصول إلى آخر ابتكارات شركة الرقائق.
ووصف ساتيا نادالا، الرئيس التنفيذي لـ«مايكروسوفت»، الشركة التي تتخذ من باريس مقراً لها، وأسسها ثلاثي من الباحثين السابقين لدى «ميتا» و«غوغل»، هم آرثر مينش وتيموثي لاكروا وغيوم لومبل، بأنها واحدة من المبدعين الذين يطورون الذكاء الاصطناعي. ويأتي التعليق رغم استثمارات «مايكروسوفت» البالغة 13 مليار دولار في «أوبن إيه آي» حتى تاريخه، ما يجعلها أكبر مستثمر في الشركة الناشئة التي تتخذ من سان فرانسيسكو مقراً لها. وأُقيل الرئيس التنفيذي لـ«أوبن إيه آي»، سام ألتمان، من مجلس إدارة الشركة في نوفمبر الفائت، لوقت قصير، في قرار شكّل صدمة لعالم الأعمال، وأجبر الشركات على النظر في تنويع مقدمي خدمات الذكاء الاصطناعي لديهم.
وعلّق بريسان: «لا يمكن للشركات الاعتماد حصراً على مورد واحد». وتابع: «نعمل مع مؤسسات كبيرة، فلدينا 10 إثباتات مفاهيم مع شركات حول العالم، وليس فقط في فرنسا. ويأتي نصف المستخدمين لمنصتنا من الولايات المتحدة، ولا عجب في ذلك؛ لكونها سوقاً أكثر نضجاً».
تجسد الشركة الانقسام الحالي في مجتمع الذكاء الاصطناعي بين النماذج مفتوحة ومغلقة المصدر، أو بين الأنظمة التي تكون تفاصيلها الفنية متاحة للأطراف الثالثة، مقارنة بتلك التي تظل مملوكة لشركة واحدة.
وتقول «ميسترال»، التي ساعد مؤسسوها في تصميم النموذج اللغوي الكبير الخاص بـ«ميتا»، إن هذا سيمنحها ميزة مع الشركات التي تحتاج لوضع ميزات مخصصة في برمجياتها.
وأوضح بريسان أن النماذج مفتوحة المصدر كانت جذابة على وجه الخصوص للكيانات التي تديرها الدول أو تلك تتسم بدرجة عالية من التنظيم، مثل شركات الدفاع والمصارف، التي ترغب في تجريب الذكاء الاصطناعي التوليدي، لكن ليس بإمكانها فعل ذلك من خلال برمجياتها الخاصة، لأسباب متعلقة بالامتثال. وأضاف أن «بي إن بي باريبا» و«سيلز فورس»، وهما من بين المستثمرين أيضاً، كانا من بين الشركات التي تختبر النماذج التي تطورها «ميسترال».
وحضر المسؤولون التنفيذيون للشركة الناشئة المنتدى الاقتصادي العالمي، ضمن وفد بقيادة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، شمل شركات فرنسية ناشئة. وتضم قائمة المستثمرين أيضاً الملياردير الفرنسي بمجال الاتصالات، زافييه نيل، والمؤسسة الاستثمارية الفرنسية العامة «بي بي آي فرانس». وفي حين رفض مؤسسوها عروض وظائف من شركات الذكاء الاصطناعي الأمريكية واختاروا العودة إلى فرنسا لتأسيس أعمالهم، أفاد بريسان أن الشركة الناشئة «تُبقي السلطات العامة بعيدة»، وتتصدى لتصور مفاده أن الذكاء الاصطناعي أصبح مصلحة وطنية. وأضاف أن الدولة الفرنسية «لا تتمتع بكل تأكيد بأي سلطة على حوكمتنا».