يشكل أفول نجم مصانع السيارات المزودة بمحركات الاحتراق الداخلي مشكلة بالنسبة إلى الصين

يساور صناع السياسات في بروكسل وواشنطن قلق حيال المخاطر الأمنية والاقتصادية التي تحملها الموجة سريعة الارتفاع من واردات المركبات الكهربائية الصينية في طياتها. لكن ازدهار صناعة المركبات الكهربائية في الدولة الصينية تسبب في معضلة مختلفة بالنسبة لإدارة شي جين بينغ في بكين، هي كيف ستواجه الدولة الانخفاض الشديد في القطاع المخصص لصناعة السيارات بمحركات الاحتراق الداخلي؟

تعد صناعة السيارات الصينية الأكبر عالمياً من حيث المبيعات والإنتاج وكذلك الصادرات منذ العام الماضي. وتشير بيانات أوتوموبيليتي للاستشارات التي تتخذ من شنغهاي مقراً لها، إلى إنتاج المصانع في الصين رقماً قياسياً من السيارات بلغ 30.1 مليون سيارة في 2023، بزيادة من الذروة السابقة البالغة 28.9 مليون سيارة في 2017. ومع ذلك، أخفى نمو صناعة المركبات الكهربائية الصينية، التي تشكل أكثر من 30 % من مبيعات سيارات الركاب المحلية، انخفاضاً هائلاً في مبيعات المركبات غير الكهربائية. وأنتجت الصين العام الماضي 17.7 مليون سيارة بمحركات احتراق داخلي للسوق المحلية، بتراجع قدره 37 % من 28.3 مليون سيارة في 2017.

يشكل تراجع سوق السيارات العاملة بمحرك الاحتراق الداخلي، بعد أعوام من النمو، تهديداً وجودياً لكثير من مصنعي السيارات العاملين في الصين، سواء الأجانب أو المدعومين من الدولة. لكن يمثل الأمر أيضاً تحديات اقتصادية واجتماعية بالغة وطويلة الأمد للبلاد، بحسب محللين لقطاع السيارات وأكاديميين وخبراء اقتصاد.

واعترفت القيادة في بكين بالمخاطر التي تشكلها القدرة التصنيعية الفائضة التي كانت سمة مميزة للتطور الصناعي الصيني خلال العقود الماضية. وفي تصريحات صدرت عن الزعيم الصيني بعد انتهاء مؤتمر العمل الاقتصادي المركزي في ديسمبر، وهو اجتماع سنوي يحدد السياسة الاقتصادية للعام التالي، فإن «القدرة التصنيعية الفائضة في بعض الصناعات» كانت من أهم «الصعوبات والتحديات التي تجب معالجتها لتحقيق مزيدا من التعافي الاقتصادي».

لكن لم يفرد المؤتمر خطة واضحة لمعالجة المشكلة الكامنة في صناعة تعاني انخفاضاً شديداً. ستكون بعض المصانع قادرة على إعادة هيكلتها بحيث تخدم صناعة المركبات الكهربائية، وسيكون البعض الآخر مهيأ للصادرات، لكن الكثير من المصانع تتمتع بفائض كبير مقارنة بالمتطلبات، ما يثير رعباً من خطر المصانع الخاوية التي ستنشأ على مدار العقد المقبل.

وعلى المستوى الوطني، قالت كيو جين، الأستاذة المشاركة لدى كلية لندن للاقتصاد ومؤلفة كتاب «دليل الصين الجديدة»، إن واضعي الخطط الاقتصادية الصينيين يتحتم عليهم مجابهة «مشكلة انتقال كلاسيكية» لتخصيص العمالة، مع تحول ثاني أكبر اقتصاد في العالم من التصنيع التقليدي إلى صناعات تكنولوجية جديدة مراعية للبيئة.

واستجابة لذلك، أوضحت كيو جين أن المسؤولين الحكوميين شرعوا في توسيع كم وجودة المدارس المهنية للمساعدة في توفير العمال المهرة للوظائف. وأضافت «سيكون أداء الحكومة الصينية أفضل من كثير من أداء الحكومات الأخرى، بما في ذلك الولايات المتحدة، التي فشلت فشلاً ذريعاً من حيث مساعدة عمالها على التحول بعيداً عن التصنيع منخفض المستوى».

وسلطت كيو الضوء على وجود «عائق» مهم في سبيل تخصيص الصين لمواردها من الأيدي العاملة، يتمثل في نظام تسجيل الأسر، المعروف باسم «هوكو». وذكرت جين أن هذه المؤسسة الأساسية تقيد السكان المهاجرين داخلياً، وقوامهم 400 مليون نسمة، عن طريق حرمانهم وأسرهم من الوصول المتساوي للخدمات الأساسية، عندما ينتقلون إلى مناطق جديدة بحثاً عن وظائف.

ورغم نمو صناعة المركبات الكهربائية، وبلوغ عدد العاملين في صناعة السيارات بالصين نحو 5 ملايين شخص في 2018، إلا أنه انخفض بمقدار 500,000 عامل منذ ذلك الوقت، بحسب مجموعة «سي إي آي سي» للبيانات.

وأشار ألبرت بارك، كبير خبراء الاقتصاد لدى بنك التنمية الآسيوي، إلى توقعات البنك أن خلق وظائف في الصناعات الخضراء الجديدة في ربوع آسيا سيتخطى الوظائف المفقودة المرتبطة بالوقود الأحفوري. إلا أن بارك بارك قال إن المشهد أقل وضوحاً في الصين، بسبب مشكلات مثل غياب الشفافية عن بيانات التوظيف، وتباطؤ الطلب الاقتصادي، والضعف الذي يعتري قطاع العقارات. وأضاف أن: «مشكلات التكيّف كبيرة للغاية».

وبينما يلوح مزيد من إغلاقات المصانع في الأفق، كشفت بيانات نشرة مجموعة العمل الصينية غير الهادفة للربح أن العاملين في صناعة السيارات نظموا أكثر من 60 احتجاجاً على مدار الأعوام الخمسة الماضية.

وقالت آبي هيفر، خبيرة العمالة والحوكمة في الصين لدى جامعة توبنغن الألمانية، إن المسؤولين الحكوميين في بعض المناطق المحلية لديهم خبرة في التعاطي مع إغلاقات المصانع والبطالة المفاجئة واسعة النطاق. ومع ذلك، ما زال خطر «تراكم» النزاعات العمالية في قطاع السيارات قائماً، ومن شأنه اجتذاب انتباه الحكومة المركزية في بكين. وأضافت: «ليس من اللطيف أن تكون مسؤولاً محلياً في الوقت الراهن. إنهم مُحاصرون بين غضب من الأسفل والأعلى. ماذا عساهم يفعلون؟».