رغم أن الذكاء الاصطناعي التوليدي أظهر تفوقه على المحللين الماليين إلا أنه لا داعي لاستسلام البشر بعد
تتزايد مخاوف المحللين، وباتت هذه المخاوف ملموسة بالفعل. فبعد تكريس سنوات طويلة لاجتياز بعض أصعب الامتحانات في العالم، مع احتمال ضئيل للنجاح، تكتشف أن الكمبيوتر يمكنه أداء المهام على نحو أفضل.
فقد وجدت مسودة أن الذكاء الاصطناعي التوليدي، الذي يحاكي (أو في هذه الحالة يتجاوز) القدرة البشرية، تفوق على المحللين الماليين في التنبؤ باتجاه الأرباح المستقبلية، بفارق مريح بلغ 8 نقاط مئوية، كما أفاد أليكس كيم، وماكسيميليان موهن، وفاليري نيكولاييف من جامعة شيكاغو.
وكانت المفاجأة الحقيقية، تتمثل في أن نموذج اللغة الكبير (أداة الذكاء الاصطناعي)، تفوّق على نظرائه من البشر، دون الحاجة إلى الاستفادة من السياقات المستخدمة في تحليل الأرباح، مثل المسائل المتعلقة بالقطاعات والخلفيات الاقتصادية، أو التغييرات المتعلقة بالموظفين. وعوضاً عن ذلك، تم تغذيته بنسخ مبسطة وموحدة من الميزانيات العامة وبيانات الدخل.
وحتى مع إخفاء أسماء الشركات والسنوات، يمكن للنموذج البدائي البحث في الأخبار والتكهن بأن شركة «نفيديا» ستحقق زيادة في الأرباح هذا العام.
في المقابل، لدى المحللين معلومات طائلة للمطالعة، ما يتيح لهم اتخاذ قرارات مستنيرة، مثل مكالمات الأرباح، المناقشات الإدارية والتوقعات، بالإضافة إلى الدراية بالقطاع والعوامل البيئية المؤثرة.
ويكمن السر الخفي لـ «شات جي بي تي»، في تسلسل التفكير والتفسير، حيث يتعلم النموذج كيفية إجراء الحسابات، مثل تقييم الكفاءة التشغيلية، ومعدل الرافعة المالية، وتحديد الاتجاهات، وتكون هذه الركائز لتحديد ما إذا كانت الأرباح المستقبلية ستتجه نحو الارتفاع أو الانخفاض في العام المقبل.
والحقيقة أن بعض من هذه المهام بسيطة، حتى الآلات الحسابية من القرن الـ 19 يمكنها قسمة الأعداد، ويعد اكتشاف الاتجاهات أمراً بسيطاً، مثل فتح نافذة «بحث» على الكمبيوتر: حاول تحليل التدفق النقدي الحر في أي من شركات التكنولوجيا الناشئة، ولاحظ جميع الأرقام السلبية، إلا أنّ أداء «شات جي بي تي»، بناءً على البيانات القليلة، يعد مؤشراً إيجابياً بالنسبة إلى نموذج مجهز بمزيد من البيانات السياقية.
لقد بدأت البنوك وصناديق التحوط ومديرو الثروات في استغلال الذكاء الاصطناعي، ويقوم بعض مديري الصناديق بدمج الذكاء الاصطناعي التوليدي في عمليات صنع القرارات الاستثمارية.
لكن هذه الأدوات التكميلية غالباً ما تتولى عمل المهام الشاقة، مثل تدوين مكالمات الأرباح، وتلخيص البيانات، وتحليل النصوص، ومحو الأخطاء البشرية، وتوفير قدر هائل من الوقت. لذلك، لا داعي لأن يبدأ المحللون في حزم أغراضهم حتى الآن، فتفوق أداء النموذج لا يتعلق فقط بالذكاء الفائق، ويكمن المعيار في متوسط التوقعات، حيث يحقق العديد من المحللين نتائج أفضل.
وفي نهاية المطاف، كما هو الحال مع أغلب المهن، سيكون هناك مساحة للبشر، جنباً إلى جنب مع الآليين، وهذا هو المنظور المهم، الذي يخلص إلى أن «النهج الهجين الذي يستفيد من نقاط قوة كل من الذكاء الاصطناعي والمحللين البشريين، غالباً ما ينتج عنه توقعات أكثر دقة وشمولاً».