الاكتتاب العام الأولي للكنز الوطني ظل طموحاً طيلة عقد لكنه يواجه خطر مشاكل تغير أولويات المساهمين
بتذكرة قيمتها تعادل 89 بنساً، ستقلك القطارات المذهلة المتتابعة لمترو طوكيو سريعاً عبر المدينة في بيئة راقية ودقة كبيرة في عربات مكيفة. من البديهي إذن أن تشتري التذكرة، لكن ماذا إذا تحول الحديث إلى الأسهم؟.
تنطوي الإجابة عن هذا التساؤل على صراع أيديولوجي شائك على نحو يتخطى كل ما توقعته طوكيو يوماً ما. وسيتطلب طموح الحكومة الذي يصبو إلى خصخصة مترو طوكيو إعلاناً إلزامياً، في عصر يبرز فيه النشاط القوي للناشطين، وعلى خلفية ثقافة استثمارية دقيقة ترغب فيها اليابان. وبينما تشهد الكثير من البلدان أجواء انتخابية حادة خلال 2024، تتجه اليابان إلى مقايضة كلاسيكية في مرحلة متأخرة من الرأسمالية بين الربحية والخدمات العامة تكون الهوية الوطنية عملتها الأساسية.
إن المشكلة ستظهر إلى السطح في غضون شهرين إذا سارت الأمور وفق الخطة الموضوعة. ويعد مترو طوكيو من أكبر الشركات غير المالية والأكبر المتبقية التي لا تزال مملوكة للحكومة. وبالنسبة للخصخصة، التي ستتمثل في بيع الحكومة المركزية وحكومة طوكيو، أجزاء من حصصهما في الشركة، فقد كانت على قائمة الأمور التي ترغب وزارة المالية في إنجازها منذ نحو عقد منذ إدراج البريد الياباني للتداول في البورصة في العام 2015.
وقال مسؤولون ومصرفيون، إن سوق طوكيو المزدهرة تشكل فرصة لا يمكن تفويتها لاكتتاب عام أولي هائل من شأنه تحريك المياه الراكدة لعمليات الإدراج الكبيرة في بورصة طوكيو. ولن يجد الكثيرون غضاضة في الأمر، بينما سيغتنم عدد كبير من الأشخاص وفي مقدمتهم الأسر اليابانية المتعطشة للعوائد، فرصة لشراء حصة في كنز وطني.
ولدى اليابان ما يزيد على 20 شركة لخطوط السكك الحديدية الخاصة، تشمل 7 شركات تتبع مجموعة سكك حديد اليابان، وهي نتاج تقسيم السكك الحديدية الوطنية اليابانية حين تمت خصخصتها في 1987. كانت هذه الشبكات، في الكثير من الحالات، مضرباً للمثل على مستوى العالم، فليس ثمة نظير لتشغيل القطارات اليابانية والكفاءة التي تعمل بها، كما تشهد الشبكات إعادة استثمار منتظمة وتدر أرباحاً بصفة عامة.
وهناك أسباب تخص اليابان وراء ذلك، حيث تدعم المسارات المربحة الأخرى الأقل ربحية. وتدربت الشركات في غضون 3 أعوام عجاف بعد الفقاعة على أن تصبح أكثر كفاءة دون التضحية بالجودة، دون إمكانية زيادة أسعار التذاكر كثيراً، وهو ما تشي به تذكرة المترو البالغة قيمتها 89 بنساً. وتحصل شركات السكك الحديدية اليابانية وخطوط سكك حديدية خاصة أخرى، على جزء كبير من إيراداتها من أعمال التجزئة والعقارات التي تتركز بالقرب من المحطات.
ويعد التخصيص الصارم للأولويات هو الحاكم لكل ذلك. وفي حقيقة الأمر، لم تتعلق خصخصة السكك الحديدية اليابانية بتحقيق ربحية للمساهمين، وإنما بمواصلة تلبية احتياجات العملاء والمصلحة الوطنية أولاً. وحينما خصخصت الحكومة السكك الحديدية البريطانية في منتصف تسعينيات القرن الماضي، فقد كانت تبيع شركة مزجت بين سراب تاريخي مجيد ومزحة بائسة. أما اليابان، فكانت تعمل على خصخصة نظام تم وصفه في ورقة أكاديمية في 2023 بأنه عنصر أساسي في سرد حكاية الهوية اليابانية المعاصرة.
وكان إذعان المساهمين لمسألة أن الجودة تفوق أي شيء أهمية، عنصراً أساسياً وسط كل ذلك. وتضع التقارير السنوية في صفحتها الأولى السلامة ورضا العملاء وسعادة الموظفين والتطوير الإقليمي باعتبارها الأولويات الأبرز، بينما لا تأتي على ذكر المساهمين.
ومع ذلك، تتمثل المشكلة التي تواجه خصخصة مترو طوكيو الآن في تغير الكثير من الأمور منذ الخصخصة الأخيرة لشركة كبيرة، وكانت لشركة كيوشو للسكك الحديدية في 2016. وتدعو بورصة طوكيو إلى تركيز غير مسبوق على كفاءة رأس المال والعوائد التي يحصل عليها المساهمون، مع حث الحكومة عالم الشركات على أن يكون أكثر وداً تجاه المستثمرين، ووسط وضع النشطاء أهدافاً كبيرة نصب أعينهم ومطالبتهم الشركات بأمور لم تكن لتكون مطروحة قبل أعوام قليلة. ويأتي هذا مع إعلان فوميو كيشيدا، رئيس الوزراء، أمام حشد كبير من المستثمرين العالميين، أن اليابان «أمة لإدارة الأصول» في الوقت الحالي، مع توجيه الثروة الهائلة لدى الأسر إلى الأسواق العامة.
وستكون المواءمة هي الأمر المثير للاهتمام في خضم ذلك. ستواصل شركات السكك الحديدية التي خُصخصت بالفعل التمتع بالحرية التي لطالما حظيت بها، فلا يمكن لأحد أن يطالب بشيء من شأنه زعزعة روعة السكك الحديدية اليابانية. لكن هل ستُمنح هذه الحرية للشركات حديثة الخصخصة؟، سيتعين على مترو طوكيو، سواء في النشرة التمهيدية أو عملية التسويق، التقيد بالقواعد الجديدة التي تضع المستثمرين كأولوية، والتعهد بالتركيز على العوائد، حتى ولو كان ذلك بشكل صوري. وعلى الحكومة اليابانية، التظاهر بتأييد ذلك، مع استمرار تفضيلها، شأنها شأن الجميع، حصول الجمهور على تذكرة بقيمة 89 بنساً للتمتع بروعة أجواء النقل العام.