أزمات سلاسل التوريد تضع تويوتا أمام معضلة من الخيارات الصعبة

ت + ت - الحجم الطبيعي

وسط ضجة إعلامية كبيرة، نظمت شركة تويوتا حدثاً لاستعراض خطط الجيل القادم من محركات الاحتراق الداخلي، والذي جاء بمثابة دليل دامغ على أن الشركة لا تزال تراهن على ازدهار السيارات الهجينة.

وبالإضافة إلى الحاجة الملحة لإقناع المستثمرين والمحللين، كان لدى الرئيس التنفيذي ورئيس قسم التكنولوجيا لدى شركة تويوتا جمهور مستهدف آخر في الأذهان، وهو موردو الشركة.

وقال كوجي ساتو، الرئيس التنفيذي لشركة تويوتا: «من المهم لنا توضيح الاتجاه الذي سنسلكه لخلق مستقبل مع هذه الشركات، لذلك جاء الإعلان الواضح على أننا نريد أن نصنع معاً مستقبل محركات الاحتراق الداخلي».

ولطالما كانت سلسلة التوريد الشهيرة لتويوتا «في الوقت المناسب» عنصراً أساسياً في نجاح الشركة، ما سمح بتطوير نهج الإنتاج المرن الذي اعتمدته الشركات متعددة الجنسية في جميع أنحاء العالم. كذلك، لطالما قال المديرون التنفيذيون إنهم يشعرون بالتزام أخلاقي بالحفاظ على ملايين الوظائف في البلاد والتي يوفرها قطاع صناعة السيارات.

ورغم أن هذا النهج أثبت أنه جيد في الظروف المواتية، لكن ماذا يحدث عندما تسوء الأمور؟ ماذا لو لم يكن من الممكن اتخاذ قرارات من جانب الشركة بسرعة كافية بسبب الالتزام بحماية سلاسل التوريد والوظائف؟

يقول جيمس هونغ، محلل السيارات لدى ماكواري، إن «دفاع تويوتا عن سلاسل التوريد لديها – والذي يعد منطقياً من الناحية الاقتصادية حالياً نظراً لاستمرار الطلب على السيارات الهجينة – قد يصبح عبئاً في مرحلة ما.. والأمر ليس مقتصراً على تويوتا فقط، بل يتعلق بصناعة السيارات اليابانية بأكملها».

وقد تواجه شركات صناعة السيارات في ألمانيا وفرنسا والولايات المتحدة المعضلة نفسها، فهو وضع معقد حيث تختلط وتتشابك الفوائد والمخاطر بسبب حسابات الاقتصاد السياسي الأوسع نطاقاً.

إن عمليات شركات السيارات غالباً ما تعكس كيفية عمل الدول التي نشأت فيها. ويمكن أن يرتبط تطورها بمرور الوقت ارتباطاً مباشراً للغاية بالإعانات والمساعدات والدعم غير الرسمي. ويمكن أن يكون لذلك تأثير عميق على كيفية رؤية الشركات ودول المنشأ للالتزامات الاجتماعية في مجالات مثل الوظائف. وقد يكون كذلك بمثابة مظلة خلال الأوقات العصيبة.

وبطبيعة الحال، فإن توفير مزيد من فرص العمل يعني المزيد من الاستقرار للشركات عبر مختلف القطاعات، بالكيفية نفسها، التي تؤدي فيها ضخامة حجم الميزانية العمومية للبنك الكبير إلى جعله أكبر من أن يسمح له بالإفلاس. فعندما تصبح الأمور صعبة، يكون لديك مجموعة ضخمة من المستهلكين والناخبين وجماعات الضغط المستعدين للدفاع عن بقائك. وبالتأكيد، صناعة مثل إنتاج السيارات لها وزن أكبر من غيرها.

وفي اليابان، يبلغ إجمالي العمالة المرتبطة بقطاع صناعة السيارات، بداية من تجار الوقود إلى التأمين والشحن، نحو 5.5 ملايين وظيفة، وفقاً لاتحاد مصنعي السيارات في البلاد. وتشير التقديرات إلى أن القطاع يمثل 2.9% من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، و13.9% من الناتج المحلي الإجمالي للصناعات التحويلية.

وذكر كوجي ساتو أن شركة تويوتا تتعامل مع نحو 100 من شركات التوريد التي توصف بأنها من «موردي الفئة الأولى»، وهي شركات تتربع على قمة التسلسل الهرمي لسلاسل التوريد، وتوفر المنتجات المباشرة إلى كبار المصنعين، وفي التسلسل الهرمي هناك الكثير والكثير من الشركات الصغيرة التي تورد بدورها لموردي الدرجة الأولى.

وقال توماس بيسون، رئيس قسم أبحاث السيارات لدى كبلر شيفرو: «سواء أكان ذلك في الصين أم اليابان أم أوروبا، فإن صناعة السيارات هي صناعة سياسية إلى حد كبير، ومن النادر جداً أن تضحي دولة ما بصناعة السيارات، فهي أشبه بصناعات الفولاذ أو البنوك أو الشحن، لا يمكن التخلي عن ذلك البتة».

إن رينو في فرنسا، وفولكس فاغن في ألمانيا، وبي واي دي في الصين، وفورد وجنرال موتورز في الولايات المتحدة، جميعها نتاج الاقتصاد السياسي في بلدانها. وتويوتا هي أيضاً بلا شك منتج ياباني حقق نجاحاً ملحوظاً. وبوصفها أكبر شركة لصناعة السيارات في العالم فإنها تحقق أرباحاً ومبيعات قياسية. ودفاع تويوتا عن سلاسل التوريد هو انعكاس لحجم وتنوع الرهانات التكنولوجية التي تحمي الشركة من التشريعات والسياسات وتفضيلات المستهلكين غير الواضحة.

ولكن إذا كان يجب على شركة صناعة السيارات الدفاع عن سلاسل التوريد والوظائف – سواء في اليابان أم ألمانيا أم أي دولة أخرى – فليس من الصعب رؤية الخطر المتمثل في تحول المسؤولية إلى عائق، ما يبطئ الابتكار ويثقل كاهل الشركة بتكاليف لا داعي لها.

وفي خضم الاضطرابات التي تواجه صناعة السيارات بسبب تقدم السيارات الكهربائية، أصبحت هذه القضية الاستراتيجية أكثر إلحاحاً. وفي أوروبا، قدرت دراسة أجرتها شركة «برايس ووترهاوس كوبرز» في عام 2021 لصالح هيئة تجارية للموردين أن التحول إلى إنتاج السيارات الكهربائية فقط في المنطقة بحلول عام 2035 قد يؤدي إلى فقدان قرابة 500 ألف وظيفة ترتبط بإنتاج أنظمة نقل الحركة للسيارات لمحركات الاحتراق الداخلي. وقد يتم تعويض ذلك عبر خلق 226 ألف وظيفة جديدة تتعلق بمجموعة نقل الحركة للسيارات الكهربائية، لكن فرص العمل ستواصل الانخفاض.

وأشار جيمس هونغ إلى أن «أخطر مرحلة قد تأتي في وقت أقرب مما يخططون له بسبب السيارات الكهربائية وتزايد المنافسة والإمدادات من الصين بوتيرة أسرع من المتوقع.. وببساطة، أنت لست بحاجة إلى العدد الضخم نفسه من الموردين للسيارات الكهربائية».

كلمات دالة:
  • FT
Email