الكاتب شغل منصب الرئيس العالمي السابق لقسم الأبحاث لدى «مورغان ستانلي»

والرئيس السابق لقسم الأبحاث والبيانات والتحليلات لدى مجموعة «يو بي إس»

ليس من باب الغرابة أن يتفوق الذكاء الاصطناعي على محللي الأسهم في المتوسط فيما يتعلق بتوقع الأرباح. كذلك، ليست مفاجأة أن تأتي الاستراتيجيات القائمة على القواعد بمشورات مالية أفضل في المتوسط، مقارنة بما يقدمه المصرفي الخاص.

إن الاستثمار بطريقة منهجية تمتع دائماً بالعديد من المزايا حتى من قبل التطورات الأخيرة في الذكاء الاصطناعي التوليدي. وفي حين أن مثل هذه الأساليب لن تلتقط تلك النسبة الضئيلة من الأسهم أو التحولات السوقية التي تحقق العوائد الكبيرة، لكنها مع ذلك تبقى ذات قيمة مؤكدة ومثبتة.

واليوم، تكشف لنا التطورات الكبيرة في مجال الذكاء الاصطناعي أننا يمكن أن نذهب إلى ما هو أبعد من التوصيات المستندة إلى قواعد. وتتمثل الأعمدة الثلاثة للاستثمار في الاقتصاد الكلي والمحاسبة والإحصاء، وتحقق النماذج اللغوية الكبيرة أعلى الدرجات في الاختبارات المتقدمة لهذه المواد الثلاث. كما نعرف أن النماذج اللغوية الكبيرة بإمكانها تلخيص قدر أكبر من المحتوى والحكمة بصورة تتخطى ما يمكن للبشر القيام به، ما سيكون مفيداً للغاية للاستراتيجية الكلية. لذا، إن كان بإمكان الذكاء الاصطناعي المساعدة في اتخاذ القرارات المالية، فما السر وراء صعوبة مواكبة المحللين أو مديري المحافظ لركب التغيير؟

بإمكاننا إيجاد بعض الإجابات في أعمال عالم البيانات، سيزار هيدالغو، عن كيفية حكم البشر على الآلات. ونحن نركز كبشر على أداء الآلة حينما نستخدم برنامجاً، ولذلك، فإن أي خطأ يقع في التوقعات من شأنه إفقاد المهني الثقة في البرنامج. ولا يهم ما إن كانت الخوارزمية أفضل من الإنسان في المتوسط في غالبية الحالات، فمستشارنا المالي سيترك المجال أمام حدسه وخبرته ليقودا الدفة في كل الأحوال.

وتظهر لنا أبحاث هيدالغو أننا نتصرف بصورة مختلفة لدى حكمنا على التوصية البشرية، إذ ننظر إلى ما هو أبعد من الأداء ونضع في اعتبارنا نوايا مقدم التوصية. وحينما نتعامل مع مصرفي خاص أو نودع أموالنا لدى مدير صندوق، فإننا نفترض توافقاً بين النوايا وأهدافنا، خصوصاً إذا ما تضمن العقد بنداً عن رسوم لحوافز الأداء. ونكون أكثر تسامحاً مع العوائد السيئة بمجرد وضعنا هذه النوايا في اعتبارنا.

ويمكن للتوصيات البشرية الإخفاق كثيراً، لكن سيواصل العملاء اعتبارها ذات قيمة، لا سيما إن كان هناك ما يفسر السبب وراء النتيجة غير المواتية. وبحسب قول هيدالغو، فإننا ننتظر من الآلات أن تكون عقلانية، ونتوقع من البشر أن يكونوا بشراً.

كما أننا نقاوم تضمين المعلومات التي تتناقض مع خبرتنا. وفي التجارب التي أجريت مع أخصائيي الأشعة الذين استخدموا الذكاء الاصطناعي، لم يكن واضحاً كيف عملوا على تضمين وجهات نظر الخوارزمية في توقعاتهم. لكن العمل استغرق وقتاً أطول وكانت فعالية التشخيصات المركبة محل نقاش.

وإذا كانت هذه هي الحال مع أخصائيي الأشعة، فلا بد أن الأمر أكثر صعوبة بالنسبة لأي ممن يعملون في الأسواق المالية. وقد تكون الاستراتيجية الكلية أكثر المواطن صعوبة عند استخدام الذكاء الاصطناعي. أولاً، وبسبب أن السوق غير ثابتة مثلها مثل الطقس، فإن هذا يعني أنها لن تتفاعل بالطريقة ذاتها إزاء بيانات التوظيف أو التضخم ذاتها، ناهيك عن عودة دونالد ترامب مرة أخرى إلى رئاسة البيت الأبيض. وثانياً، سيتأثر حكم كل خبير استراتيجي بما أن لديه قناعات مبدئية قوية أو «هوية» باعتباره متفائلاً دائماً أو متشائماً. ومن الصعب للغاية الهرب مما يتوقعه منك العملاء.

وأخيراً، فإننا نتوق إلى السيطرة. وهناك اختلاف شاسع بين نموذج تشكل عن طريق جدول يضم بيانات متاحة مقارنة بـ «تشات جي بي تي» على سبيل المثال. واستناداً إلى خبرتنا وحدسنا، بإمكاننا أن نتخذ قراراً بشأن شكل ومكونات الأولى، لكن لا سيطرة لنا على الثانية. كما أننا لن نعلم كيفية توصل النموذج اللغوي الكبير إلى إجابة ما في أغلب الحالات. ومن ثم، من المفهوم عدم شعور مستشارنا المالي بالارتياح تجاه استخدام توقعات لا صلة له بها.

ومع ذلك، هناك أفكار يجب وضعها في الاعتبار، إذ يتعين علينا السماح للبشر بتعديل بعض معايير النموذج. أو بعبارة أخرى، يجب علينا السماح للمهنيين بأن يجعلوا توصيات الذكاء الاصطناعي وكأنها نتاج مجهودهم. وفي أفضل الحالات، يمكن تحسين النموذج مع إضافة الخبراء بعض السياقات التي ربما تكون غير متاحة للنموذج. ويمكن أن يكون ذلك على هيئة ظروف خاصة بالعميل، أو عوامل أخرى وقيود قد يكون من الصعب قياسها. وبإمكاننا تقبل وجود تراجع في الأداء إذا تقبل عدد أكثر من الناس هذه الرؤى بفضل التدخل البشري. وقد تكون هذه مقايضة معقولة في مجالات مثل توصيات إدارة الثروات.

وفي النهاية، علينا محاولة جعل الذكاء الاصطناعي أكثر قابلية للتفسير، وهو توقع مقبول في ظل ازدياد المطالبات المتعلقة بالتدقيق والامتثال. علاوة على ذلك، تتضمن بعض النماذج الرائدة منطق «تسلسل الأفكار»، الذي يحول معرفة الخبراء بطريقة ما لتصبح نموذجاً خاماً. وبهذه الطريقة، لن نشهد زيادات في الأداء فحسب، وإنما ستتوفر لنا بعض القواعد التي يمكن لغالبية الخبراء وضع ثقتهم بها.

إن أحداً لا يرغب في أن يبدو روبوتاً أحمق لا يقوم سوى بتكرار التوصيات الصادرة عن صندوق أسود، فالثقة والحكم سمات ضرورية في العلاقة بالعملاء، وفي النهاية، فإننا نتوقع من البشر أن يكونوا بشراً.