يستخدم نحو نصف الباحثين عن عمل أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي للتقدم إلى الوظائف، ما يغرق أصحاب العمل وشركات التوظيف بطلبات منخفضة الجودة في سوق العمل الذي يعاني من التشبع، ويلجأ المرشحون بشكل متزايد إلى الذكاء الاصطناعي التوليدي، المستخدم في منتجات الدردشة الآلية مثل «تشات جي بي تي» و«جيميناي» لإنتاج نصوص تساعدهم في كتابة السير الذاتية وخطابات التقديم وإكمال التقييمات. وتشير تقديرات أصحاب العمل ومسؤولي التوظيف، إضافة إلى العديد من استطلاعات الرأي المنشورة، إلى أن الرقم يصل إلى 50% من المتقدمين.
وقالت خياتي سوندارام، الرئيسة التنفيذية لشركة «أبلايد»، وهي منصة توظيف، إن كثيراً من التطبيقات التي تعمل بالذكاء الاصطناعي أدى إلى مضاعفة عدد المرشحين لكل وظيفة و«خفض عوائق التقديم».
وأضافت: «نحن نتلقى بالتأكيد طلبات أعلى وجودة أقل، ما يعني أنه من الصعب فرز الطلبات. يمكن للمرشح نسخ ولصق أي سؤال من تطبيق تشات جي بي تي، ثم نسخ ولصق الإجابة مرة أخرى في نموذج الطلب».
وفي الأشهر الأخيرة تلقى مسؤولو التوظيف عدداً أكبر من الطلبات لكل وظيفة نظراً لتراجع أسواق العمل على جانبي الأطلسي. ويحتاج أصحاب العمل إلى ملء عدد أقل من الوظائف الشاغرة، فيما يبحث مزيد من الأشخاص عن وظائف بعد تسريحهم.
وأدت الاتجاهات طويلة الأمد إلى زيادة طلبات التوظيف، مثل زيادة عدد منصات الإعلان عن الوظائف عبر الإنترنت، ما يجعل الوظائف الشاغرة مرئية لمجموعة أوسع من المرشحين المحتملين ويسهل عملية التقديم. وأظهر استطلاع أجراه موقع «بيميري» الناشئ في الموارد البشرية على 2500 عامل بريطاني أن نحو 46% من الباحثين عن عمل يستخدمون الذكاء الاصطناعي التوليدي للبحث عن الوظائف والتقدم لها.
وفي استطلاع منفصل أجرته منصة «كانفا» الإبداعية على 5 آلاف باحث عن عمل عالمياً استخدم 45% الذكاء الاصطناعي التوليدي لبناء أو تحسين السير الذاتية.
وقال أندي هايز، المدير الإداري الإقليمي لشركة «هارفي ناش» المختصة في التوظيف بمجال التكنولوجيا، ومقرها المملكة المتحدة، إننا «نشهد زيادة في استخدام الذكاء الاصطناعي»، مضيفاً أن: «هناك علامات تنبهنا إلى استخدام الذكاء الاصطناعي مثل القواعد اللغوية الأمريكية، وطلب الوظيفة بلطف، تعطي دلالة على ما إذا كان المرشحون قد استخدموا الذكاء الاصطناعي».
ويواجه العديد من مسؤولي التوظيف حالياً أعداداً كبيرة من السير الذاتية المولدة بالذكاء الاصطناعي من المرشحين، الذين استخدموا هذه الأدوات لصقل بياناتهم الشخصية وإضافة كلمات البحث الرئيسية، وقد أكد البعض أن الأرقام الفعلية قد تكون أعلى، لكن هذه التقديرات تستند إلى تلك التي تم اكتشافها بوضوح، وعادة لأنها تم قصها ولصقها دون تحرير.
وقالت فيكتوريا ماكلين، الرئيسة التنفيذية لشركة الاستشارات المهنية «سيتي سي في»: «إن اللغة ستكون غير واضحة وعامة بدون تحرير مناسب، ويمكن لمديري التوظيف اكتشاف ذلك». وأضافت أن السير الذاتية تحتاج إلى إظهار شخصية المرشح وشغفه وقصته، وهو ما لا يستطيع الذكاء الاصطناعي القيام به ببساطة.
ويتبنى العديد من أصحاب العمل الكبار موقفاً من عدم التسامح تجاه استخدام الذكاء الاصطناعي، وفقاً لعدة أشخاص على دراية بعملياتهم. وقد حذرت شركات المحاسبة الأربع الكبرى «ديلويت» و«إرنست ويونغ» و«وبرايس ووترهاوس كوبرز» و«كيه بي إم جي» الخريجين من استخدام الذكاء الاصطناعي في طلباتهم. كما يستخدم عدد متزايد من المرشحين الذكاء الاصطناعي التوليدي للغش في تقييمات التوظيف.
وقال جيمي بيتس، المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة «نيوروسايت»، وهي شركة استشارية تقدم المشورة للشركات مثل «فيرجن ميديا»، و«جرانت ثورنتون»، وخدمة الصحة الوطنية البريطانية بشأن الاختبارات النفسية: «لقد شهدت على مدار الـ 18 شهراً الماضية أعلى مستوى من الاضطراب يصيب أصحاب العمل على الإطلاق».
وسلط بيتس الضوء على قطاع الوظائف المبكرة، حيث يكون المتقدمون عادة أصغر سناً و«بارعين للغاية» في استخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي المتقدم و«قادرين على تجنب اكتشاف الأمر». ووجدت شركة «نيوروسايت في استطلاع حديث لـ 1500 طالب باحث عن عمل أن 57% منهم استخدموا «تشات جي بي تي» لدعم طلبات التوظيف. كما اكتشفت أن أولئك الذين استخدموا الإصدار المجاني من «تشات جي بي تي» كانوا أقل احتمالية لاجتياز الاختبارات النفسية، بينما كان الذين استخدموا الإصدار المدفوع أكثر عرضة للنجاح.
وقال بيتس إن ربع الباحثين عن عمل الذين استخدموا تطبيق تشات جي بي تي مدفوع الأجر اجتازوا الاختبارات بنجاح باهر، وإن أغلبية هؤلاء ينتمون إلى فئات اجتماعية واقتصادية أعلى، وهم من الذكور، غير المعاقين، ومعظمهم من أصحاب البشرة البيضاء، وذلك بسبب الارتباط بين الوضع الاجتماعي والاقتصادي والقدرة على الدفع مقابل هذه الخدمة. ويأمل العديد من أصحاب العمل ومسؤولي التوظيف بأن تكشف المقابلات الشخصية أو الافتراضية النهائية عن أي غش أو كذب قد ارتكبه المرشح أثناء عملية التقديم.
وقال روس كروك، المدير الإداري العالمي في وكالة التوظيف «مورجان ماكينلي»: «إن المرشحين أصبحوا كسالى للغاية بشأن كيفية تميزهم في سوق العمل، لذا يلجأون ببساطة إلى الذكاء الاصطناعي التوليدي لتقديم نسخة مبالغ فيها عن خبراتهم الفعلية». يتم أتمتة كل شيء قدر الإمكان في الوقت الحالي، ولكن ستظل هناك دائماً حاجة إلى التفاعل البشري قبل الاختيار النهائي.