للمخرج الأمريكي آدم مكاي، أسلوب خاص في معالجة قضايا وأحداث أفلامه، يدرك جيداً الحدود الفاصلة بين الحقائق والكوميديا السوداء، وهو ما تجسد جلياً في فيلمه «ذا بيغ شورت» (The Big Short) الذي تناول فيه أزمة الرهن العقاري، التي وقعت في 2008، وأدخلت العالم في ركود أزمة اقتصادية لا تزال آثارها بادية على ملامح العالم.

وها هو مكاي يقف في ذات المربع، وعلى نفس الحدود في فيلمه الجديد «نائب» الذي يسلط فيه الضوء على مسيرة ديك تشيني، نائب الرئيس الأمريكي الأسبق، ورحلة صعوده إلى السلطة، بطريقة تفيض بالسخرية السوداء التي صاغها بعبقرية واضحة، لعب فيها الممثل كريستيان بيل دوراً لا يستهان به، لدرجة أنه أصبح قريباً جداً من جائزة أوسكار أفضل ممثل.

في الواقع أن ديك تشيني يعد أكثر من شغل منصب نائب الرئيس، سلطة ونفوذاً في تاريخ الولايات المتحدة، وهو ما يقدمه مكاي بوضوح، ومن دون أي رتوش لطبيعة تشيني السلطوية.

وقد يرى البعض في أسلوب مكاي هذا انتقاداً لتشيني والآلة السياسية التي حكمت أمريكا آنذاك، في حين أن البعض الآخر، سيرى فيها طريقة أخرى لسرد وقائع التاريخ، خاصة وأن تشيني لعب دوراً محورياً في إقناع الرئيس جورج بوش الابن (يجسده سام روكويل) بمنحه صلاحيات كبيرة في شؤون السياسة والحكم، وهو ما يتجلى في تنسيق ردة فعل الرئيس بوش حول هجمات 11 سبتمبر، وعلى إثرها دخلت أمريكا حرباً طويلة في أفغانستان وتلتها العراق.

حد فاصل

لفيلم «نائب» بنية سردية مثيرة، لا تسير في اتجاه واحد، وإنما تتقافز عبر الزمن، وتتوزع بين الحاضر والماضي، وهو ما نلحظه في مشاهد البداية، عندما يأخذنا إلى الستينيات، ويظهر حال تشيني آنذاك، حيث الشاب الطائش والمدمن على الكحول، ومنها يعود إلى الألفية وما قبلها ليظهر لنا تشيني وقد انقلب حاله تماماً، ويقدم لنا مكاي عبر هذه الطريقة محطات مهمة في حياة ديك تشيني، يقف فيها عند الحد الفاصل بين الجدية والسخرية، الذي ينطلق المخرج منه ليقدم الحقيقة الكاملة، مستنداً في ذلك على صوت «الرواي» (جيسي بليمنز) الذي يسعى لأن يكسر الصمت ومخاطبة الجمهور مباشرة، ما منح الفيلم ايقاعاً مختلفاً، زاد التفاعل مع عناصر الحبكة الدرامية للفيلم.

وزن كريستيان

وبقدر ما يتمتع به مكاي من حنكة في إدارة الفيلم، وخطوطه الدرامية، جاء أداء الممثل كريستيان بيل، الذي يقف بكل «وزنه» على الطرف الآخر من العمل، الذي قدم فيه أداءً مقنعاً، بتقمصه لشخصية تشيني، سواء من حيث «زيادة وزنه»، أو طبيعة الماكياج، التي جعلت منه نسخة ثانية «مذهلة» من تشيني الأصلي، لدرجة لا تكاد فيها تفرق بين الاثنين، أداء بيل يكشف لنا مدى «دراسته» للشخصية بكل سلوكياتها وتصرفاتها.

مكاي لم يعتمد في فيلمه على كريستيان بيل فقط، وإنما جمع ثلة من الممثلين الذين قدموا أداءً لافتاً، مثل ايمي آدمز، وستيف كاريل، وسام روكويل، وغيرهم، والذين مكنوه من رواية قصة ديك تشيني ببراعة فنية عالية، امتدت على مدار نحو ساعتين، قدم فيها مكاي رؤيته الخاصة لسيرة ومسيرة نائب الرئيس الأمريكي الأسبق.