بجولة على البيوت في الإمارات، تُدهشك تلك المشاهد وتبهج روحك، فالأمهات يسابقن الزمن في تحويل الحلم إلى واقع، يسبقهن وعيهن الكبير ورغبتهن الحقيقية في إنجاح مبادرة عام القراءة، فإلى جانب "دارة القراء" التي تتسابق الأمهات فيها على النهل من معين الثقافة، تقود هذه أبناءهاإلى المكتبة لاقتناء أغنى الكتب..

وتلك تجمع أفراد عائلتها في جلسة قرائية من طراز خاص، وأخرى تراقب أحفادها وهم يخطفون الكتب من مكتبتها الصغيرة ليختلوا بأنفسهم في زوايا المنزل، ويعيدوها بخفةٍ بعد قراءتها و«الشخبطة» على صفحاتها، ليظهر من خلال ذلك تفاعلهن الحقيقي مع عام القراءة.

«البيان» التقت عدداً من الأمهات، اللواتي أخذن على عاتقهن قيادة جيل كامل بخطى واثقة نحو المستقبل، لتتعرف على مساهماتهن وخططهن في إنجاح هذه المبادرة، فالتقطت وعياً كبيراً ينهمر كحبات مطرٍ متلألئة، تروي عطش الأرض في عز الصيف، ورأتهن يمسكن بأيدي أبنائهن..

ويِسرن جنباً إلى جنب مع القائمين على المبادرة، ما يؤكد إيمان الأمهات العميق بأهمية أدوارهن في تفعيل وإنجاح «عام القراءة»، ويبشر بتحويلها إلى واقع فعلي يتجسد في أجمل صورة.

يوم العائلة

للكتاب وقع خاص لدى الروائية فتحية النمر، التي لا تتوانى في تعزيز حضوره في كل مناسبة، وها هي فتحية الأم تتوهج بما تملكه من عطاء، لتغرس عادة القراءة في نفوس أبنائها، وعن ممارساتها في هذا الجانب، قالت:

«لدي أبناء في مراحل دراسية متنوعة من الابتدائية وحتى الجامعة، وأسعى للتعرف إلى هواياتهم وميولهم باستمرار، ولاحظت شغف ابنتي وهي في مرحلة الثانوية العامة بالقراءة وسعدتُ بذلك، وبدأت تشجيعها وزيادة دافعيتها ومناقشتها بأهمية توسيع مجال قراءاتها، ونصحها بعدم التركيز على جانب واحد في القراءة».

ولأن السبت هو اليوم الذي يجتمع فيه أفراد العائلة، تتعمد فتحية النمر اصطحاب أبنائها إلى المكتبات الموجودة داخل المراكز التجارية، بعد التحدث معهم حول أكثر الكتب تشويقاً، لتقوم معهم برحلة بحثٍ ينتقون من خلالها مجموعة من الكتب، وقالت: «أتحدث معهم حول أهمية الكتب وأناقشهم بضرورة حسن اختيار الكتاب، وأعزز في دواخلهم علاقة الصداقة بين الكتاب والإنسان، وأردد على مسامعهم أنه الصديق المخلص الذي لا يتخلى عن صاحبه مهما حصل».

حضن المنزل

لا تمر إجازة آخر الأسبوع على عائشة حمد مغاور، الأمين العام للملتقى العربي لناشري كتب الأطفال، مرور الكرام، فوعيها الكبير بِدور الأم في إنجاح عام القراءة، دفعها لتنظيم جلسات قرائية حميمة في زوايا منزلها، يجتمع فيها أبناء أشقائها وشقيقاتها..

وعن ذلك قالت: «أهدف لغرس حب القراءة في نفوسهم منذ الصغر، وخصوصاً خلال مهرجان الشارقة القرائي، الذي يحفل بكتب جميلة ومتنوعة للأطفال، وكوني أعمل كأمين عام للملتقى العربي لناشري كتب الأطفال، أكون على صلة مباشرة بالكتب المفيدة والجاذبة للأطفال، لأجلس بين أبناء العائلة وأشاركهم قراءتها وأتناقش معهم حولها..

كما أخصص جائزة تحفيزية لمن يقوم بشرح القصة بعد قراءتها، وهذا يعزز روح المنافسة لديهم، ويزيد تعلقهم بالكتاب، لأن ارتباط القراءة بالأجواء الحميمية الممتعة، تزيد علاقتهم بها». وتتبع عائشة مغاور طريقة رائعة، إذ تتبادل مع شقيقتها الكتب التي انتهت كل منهما من قراءتها، ليتم إرسالها بعد ذلك للأسر المحتاجة، وهذا يساعد في الاستفادة من الكتاب لأقصى مدى.

ولفتت مغاور إلى ضرورة ترك حرية انتقاء الكتب للأطفال، وقالت: «لدينا معارض كتب كثيرة ومهرجانات ثقافية، وعلينا اصطحاب الأطفال لها، إذ يجب أن يكبروا بين الكتب، حتى لا يصبح غريباً عليهم، ودورنا أن نتناقش مع أبنائنا حول الكتب المفيدة، لتصبح اختياراتهم أكثر وعياً، ما يعود عليهم بالفائدة».

«شخبطات»

انطلاقاً من وعيها الكبير بأهمية دور الأم في تعزيز عادة القراءة لدى الأبناء، تلعب الكاتبة صالحة غابش دوراً هاماً في تشجيع أحفادها وأبناء أشقائها على القراءة بأسلوب لطيف ومحبب، وعن ممارساتها في هذا الجانب، قالت:

«أحفادي وأبناء أشقائي متقاربون في العمر، وحين نجتمع يوم الجمعة، أصطحب الأطفال إلى مكتبتي المنزلية الصغيرة..

وأرى بعضهم ينتقي منها بعض الكتب ويخفيها تحت ذراعيه ويتجه لقراءتها، ويسعدني هذا المشهد كثيراً، وقد لفتت ابنة شقيقي»نورة«نظري، فرغم أن عمرها لا يتجاوز العامين ونصف العام، إلا أنها متمسكة بالكتب، ودائماً ما أقول لشقيقي بأن هذه الطفلة ستكون في يوم من الأيام قارئة جيدة، وكاتبة متميزة».

وذكرت غابش أنها تتعمد اصطحاب أطفال العائلة إلى مكتبتها رغم ما قد تتعرض له الكتب من «شخبطات»، وقالت: «الأهم بالنسبة لي هو أن تلامس أيدي الصغار الكتاب، ويطَّلعوا على محتواه ويقرأوا مضمونه، لأن ذلك يبني بينهم وبينه علاقة حميمة، ولا يهمني بعض «الشخبطات» هنا وهناك، لأنهم بعد فترة سيَعون أهمية احترام الكتاب والحفاظ عليه».

ولفتت غابش إلى أهمية أن تمتلك كل أسرة خطة تهدف من خلالها إلى زيادة ارتباط الطفل بالكتاب، بحيث يصبح في مقام صديقه، وحتى يصل إلى هذه المرحلة، يجب أن يكون هناك قناعة من الأم بأهمية ذلك، ما يستدعي وضع خطة يومية مستمرة. وتحدثت عن ضرورة النقاش بين أفراد الأسرة حول أهمية الكتاب، وتنظيم زيارات دورية لمعارض الكتاب..

وقالت: «يسعدني الإقبال الشديد على معارض الكتاب، إلا أني أتمنى أن توازي نسبة الشراء هذا الإقبال، فهناك من يزور المعارض للتسلية ومشاهدة العروض المصاحبة، ليأتي الكتاب في الدرجة الثانية، وهذا الأمر بحاجة للتصحيح».

كتاب وسيجارة

بدأت حنان أمين أبو العينين، مدرسة سابقة لمادة اللغة العربية للمرحلة الثانوية، حديثها بالتأكيد على أن الأم قدوة، فإذا رآها أبناؤها تحمل كتاباً، لا بد أن يقلدوها، وقالت: «حين كان ابني في الثانية من عمره، كان يقلدني ويمسك الكتاب بيده بطريقة معكوسة..

ومنذ تلك اللحظة بدأت بغرس حب القراءة في نفسه، فبدأت معه وعلمته القراءة، وحين التحق بالروضة وعمره 4 سنوات، كان يتقن قراءة 40 كلمة باللغة العربية وما يوازيها بالإنجليزية، وهذا التأسيس مهم جداً في مرحلة الطفولة، لينشأ بين الطفل وبين الكتاب علاقة صداقة».

وعن ممارساتها في تعزيز عام القراءة، قالت أبو العينين: «خلال وقت نزهتي في الأماكن العامة، أرى شباباً يهدرون أوقاتهم بلا هدف، ويمسكون السجائر بأيديهم، فأنصحهم دائماً برميها والتقاط كتاب بدلاً منها، وأنصحهم بأن يتخلصوا منها قبل أن تتخلص منهم في الكبر، وأقول لهم «الكتاب سيحييك ولكن السيجارة سترميك»..

وقد يضحكون في البداية، إلا أني قابلت بعضهم بعد فترة، وأسعدني جداً تأكيدهم لي بأنهم أخذوا بنصيحتي وتركوا السجائر واشتروا الكتب».

رسائل نصية

كونها أم لخمسة أبناء، تستشعر شهرزاد الأنصاري، موظفة العلاقات العامة في المجلس الأعلى لشؤون الأسرة بالشارقة، أهمية دور الأم في تعزيز حب القراءة في نفوس الأبناء..

وقالت: «تجربتي مع أطفالي بدأت في وقت مبكر، فمنذ نعومة أظفارهم، كنت أهديهم الكتب في مناسباتهم الخاصة، ليكبروا مع الكتاب وتكبر الصداقة بينهم وبينه». ولا تتوانى شهرزاد في إرسال الرسائل النصية لكل أفراد العائلة وقت معارض الكتب، لتحثهم من خلالها على زيارتها والاستفادة منها بشراء الكتب.

وها هي شهرزاد الآن جدة لطفلة صغيرة، بدأت تصطحبها معها إلى معارض الكتب وتنتقي لها مجموعة لتغرس في قلبها وعقلها حب القراءة، وقالت: «منذ كان عمرها عدة أشهر، اشتريت لها كتباً، ولاحظت تعلقها بالكتب، وأقضي معها بعض الوقت لتعليمها الحروف وأشاركها الرسم والتلوين، وأوصي كل أم وأب بتعويد أبنائهم القراءة وإهدائهم الكتب، فهي أجمل هدية».

تحفيز

أشارت الأمهات إلى أن تعزيز عادة القراءة تبدأ منذ الصغر، لافتان إلى ضرورة أن نبدأ مع الأطفال بالحكاية والقصة البسيطة، ومؤكدات على أن الحوافز التشجيعية عامل مهم جداً في دفعهن نحو الكتاب، كعمل مسابقات بينهم في القراءة، واتفقن على أنه لو اعتاد الطفل على الكتاب، فلن تثنيه قوة على الأرض عن القراءة.

الكتاب ملك على العرش

ساهم «تحدي القراءة العربي» وهو أكبر مشروع عربي، لتشجيع القراءة لدى الطلاب في العالم العربي عبر التزام أكثر من مليون طالب بالمشاركة بقراءة 50 مليون كتاب خلال كل عام دراسي، في لفت أنظار المجتمع إلى أهمية القراءة.

ويأخذ التحدي شكل منافسة للقراءة باللغة العربية يشارك فيها الطلبة من الصف الأول الابتدائي وحتى الصف الثاني عشر من المدارس المشاركة عبر العالم العربي، ويتدرج خلالها الطلاب المشاركون عبر خمس مراحل تتضمن كل مرحلة قراءة عشرة كتب وتلخيصها في جوازات التحدي.

وبعد الانتهاء من القراءة والتلخيص، تبدأ مراحل التصفيات وفق معايير معتمدة، وتتم على مستوى المدارس والمناطق التعليمية ثم مستوى الأقطار العربية وصولاً للتصفيات النهائية.

سيدات المجتمع رائدات التميز

مبادرات ومشروعات كثيرة ساهمت في إثراء عام القراءة، وتعزيز قيمة الكتاب في النفوس، ومنها مشروع «دارة القراء» الذي انطلق عبر مواقع التواصل الاجتماعي، إذ قامت 3 سيدات من دبي بتحدٍّ ثقافي في أواخر شهر نوفمبر 2015، أطلقن عليه اسم «دارة القراء»، لتنضم إليه خلال 5 أسابيع 600 سيدة، التحقن بالصفحات الخاصة بالمشروع، وعانقن اللغة العربية.

وانتقين من مكتبتها كتباً أضافت الكثير لمسيرة الأدب، وتقوم فكرة المشروع على انتقاء عدد من الكتب، تتشارك السيدات قراءتها، ليجتمعن بعد ذلك ويعقدن لقاءات حوارية، يتم خلالها تناول الكتب المعتمدة للنقاش من مختلف الجوانب، ليخرجن في النهاية بالفائدة، ويستمعن لآراء بعضهن البعض، وتضيف كل منهن للأخرى، ما يجعلهن رائدات التميز.