اشتهر أهالي المناطق الساحلية في الإمارات منذ القدم بمهنة «القلافة» أو الجلافة التي تعرف بصناعة السفن الخشبية وصيانتها، ونالت المهنة قسطاً كبيراً من الاهتمام والشهرة في المنطقة، ومع تطور أشكال وأحجام السفن الخشبية في الإمارات .
وفي ظل التحولات الاجتماعية والاقتصادية ومنها إدخال المكائن والآلات الحديثة، أصبحت مهنة «القلافة» بشكلها التقليدي واليدوي من المهن المحصورة على فئة محدودة من المواطنين الذين مارسوا وتوارثوا هذه المهنة الشاقة والدقيقة والممتعة معاً.
يقول محمد إبراهيم الجسمي، مدير عام جداف دبي: إن مهنة الجداف في طريقها للاندثار بسبب دخول أشخاص كثيرين على المهنة، وفي ظل انحسار ممارسيها من الرعيل الأول، ويقول: «ممارسو مهنة القلافة كانوا معدودين في منطقة الجداف ومعظمهم توفاهم الله، ومنهم؛ سيف بالقيزي وعيدان بن سلوم وثاني بن غليطة رحمهم الله».
ويتحدث الجسمي عن التغيرات التي طرأت على مهنة القلاف، ويقول: «في السابق كان القلاليف يعملون على «محامل» صغيرة معتمدين على الأدوات المتاحة ويتم تصنيع السفن يدوياً، ومع زيادة الطلب واختلاف الأحجام تم إدخال مواد أخرى.
شروط ومعاييريقول الشاعر سيف بن حمد بن سليمان، إن «القلافة» من المهن البحرية القديمة التي نالت قسطاً كبيراً من الاهتمام والشهرة ومازالت باقية إلى يومنا الحالي رغم تراجعها، و«القلاف» هو صانع ومصلح السفن الخشبية، وينقسم ممارسوها إلى نوعين، وهما؛ قلاف مستقل بنفسه يعمل على تصليح الأمور البسيطة في السفينة، و«قلاليف» عددهم يكون من 4 إلى 5 أفراد يعملون بشكل جماعي على صناعة السفن.
ويشير بن سليمان إلى أن «القلاف» في الماضي كان يسمى «أستاذ»، وكان أجره يوميا يبلغ نحو الدرهمين في حال تصليح السفينة، أما صانع السفينة فكان يتقاضى مبلغاً إجمالياً يحدد على حسب مواصفات ومقاسات السفينة من طول وعرض، إضافة إلى الوقت المحدد للإنجاز وعدد العاملين، ويقول:
«بعد أن يحدد (القلاف) السعر يلزم الزبون بدفع العربون من أجل شراء العدة من (الحطب) أي الخشب الذي كان يستورد من الهند، وعندما ينجز (القلاف) نصف عمله يأخذ جزءاً من الكلفة، وعند الانتهاء يحصل على أجره كاملاً». وكان القلاف يعمل منذ ساعات الفجر الأولى وإلى صلاة الظهر، ومن العصر حتى المغرب.
أمانة وحرفية
ويضيف بن سليمان: «عرفت إمارة عجمان في الماضي بقلاليف كثر، منهم: حميد وأحمد بن جبر، وراشد شطاف، وخميس وحمد بن سعيد الجلاف، وكانت هذه المهنة متوارثة ولها قيمة كبيرة في المجتمعات الساحلية، وعرف «القلاف» بأمانته فكان يقول للزبون بعد انتهاء عمله «عاين اللنش وإذا لم يعجبك أخبرني» لم يكن هناك أي ضمانات تقدم للزبون كما في الوقت الحالي ولكن كانت هناك ذمة وأمانة في العمل».
وعن نوعية الأعطال التي كان «القلاف» يصلحها، يتحدث بن سليمان قائلاً: «من ضمن أعطال السفن الخشبية، تآكل المسمار الذي يضرب بالخشب بسبب ماء البحر، إضافة إلى دخول الماء للسفينة عبر الفتحات التي تسد الخشب بالـ«كلفات» وهي عبارة عن حبال من القطن كانت تستخدم لسد الفتحات بين الخشب منعاً لدخول الماء، أما اليوم تجاوزنا هذه الأعطال في ظل إدخال مادة الفيبر جلاس».
مجهود بدني وذهني
أما يوسف إبراهيم الجلاف، الذي ورث عن والده محلاً لبيع عدة صناعة السفن في منطقة الجداف، يقول:
«يعتبر والدي المرحوم إبراهيم الجلاف أحد أشهر القلاليف في المنطقة، والذي أسس قبل 25 عاماً محلاً لبيع عدة القلافة، ولكن للأسف لم أتوارث المهنة منه، فقد كان يحثني دائماً على طلب العلم، ولكنني كنت مطلعاً على هذه المهنة الشاقة والمتعبة، التي تحتاج لمجهود بدني وذهني، فقد كان والدي يعتمد على البحر وكان كثير السفر إلى الهند والعراق وكراتشي وأفريقيا وغيرها من الدول».
ويقول الجلاف إن «القلاف» أشبه بالمهندس الذي يرسم ويخطط وينجز في نفس الوقت، ويقول: «كان «القلاف» يرسم مخطط تصميم السفينة في ذاكرته دون أن يستخدم القلم والورقة، وكان يصنع السفينة بيديه. وكانت صيانة وتصليح السفينة تعتمد على حالة البحر من مد وجزر».
عدة القلاف
ويستخدم «القلاف»، حسب الجلاف، عدة أنواع وأشكال من الأدوات، منها؛ القوس، المقدح، الجدوم، المطرقة، منشار خشب، مقياس بلد، رندة خشب، وشكنة، ومنقر كلفات، ومنقر خشب، وجوبار والمجدع. كما يستخدم أنواعاً مختلفة من المسامير، ومنها؛ مسمار بيص، قاعة، شلمان، فنة وغيرها. أما حقيبة العدة فكانت مصنوعة من خوص النخيل وتسمى «جفير».
ويشير الجلاف الى أن سوق أدوات صناعة السفن في تراجع، بسبب ارتفاع سعر السفن الخشبية، وإدخال مادة «الفيبر جلاس» بدلاً من الخشب في صناعة السفن.