تعتبر الأمثال الشعبية جزءاً مهماً من تراث دولة الإمارات الأصيل، وتكشف عن أسلوب حياة، ظلت تتوارثه ألسنة الأجيال المتعاقبة فوق هذه الأرض الطيبة. والأمثال الشعبية مفردة من مفردات ذلك الموروث التقليدي، تشكل في عرف الجماعة قانوناً، يطبق على الجميع، ومن المسلمات، التي لا يمكن لأحد تجاوزها أو التنصل منها، حيث تشكل الأمثال ترجمة صادقة لخلاصة تجارب الأسلاف، وحكمة الحياة.

مفردات الحياة

وقد استمدت تلك الأمثال خلودها وصيرورتها، من خلال ارتباطها الوثيق بمفردات الحياة، التي يعيشها المجتمع نفسه من جهة، وملامستها المباشرة لصميم علاقات الأفراد وتعاملاتهم اليومية من جهة أخرى. وتقال الأمثال إما بسبب موقف مر به شخص، وإما حكمة نطق بها أحد عقلاء المجتمع، الذين عاشوا في المكان، وذاقوا حلوه ومره، فأصبحت مثلاً شائعاً في أصقاع الدولة. وتلك الأمثال تعد بمثابة الدستور، الذي ينظم علاقات الأفراد في ما بينهم ويوجه سلوكاتهم وتصرفاتهم، فكل مفردة من مفردات الحياة في المجتمع قد وضع لها الأسلاف ما يلائمها، وينظم شؤونها من أمثال.

تراث خالد

وإذا كانت الثقافة الشعبية الغنية بمفرداتها الفريدة، التي منها الأمثال والحكم قد استطاعت أن تقاوم عوامل الطمس والاندثار لفترة طويلة من الزمن، فهل يعني ذلك أنها لا تزال تمتلك من مقومات البقاء ما يؤهلها، للمقاومة والصمود أمام الضربات المتلاحقة، التي تتعرض لها فكرا ووجوداً.

ورداً على هذا السؤال، يقول المواطن حمد بن مصبح المسافري (75 عاماً)، «لا خوف على أمثالنا الشعبية فقيل منذ فترة إن الإبل ستختفي، وفي طريقها للزوال، لكن دارت الأيام وعادت للمشهد، وبقوة فهي حاضرة في كل بقاع الدولة وزاد عددها، وتضاعف عدد مربي الإبل في الدولة عما كانت عليه، عندما بدأ تدفق النفط أواخر ستينيات القرن الماضي، فضلاً عن ذلك أنه في مثل هذا الوقت من كل عام يقبل زوار الدولة على مشاهدتها والاستمتاع بسباقاتها، بل يعبر البعض القارات، من أجل الوصول إلى ميادين السباق المختلفة في الدولة، لحضور المنافسات الساخنة، التي تحرص أغلب وسائل الإعلام العالمية على تغطية فعالياتها».

الإبل والأمثال

ويضيف المسافري، «إن الإبل اكتسبت أهمية خاصة عند الإماراتيين، وظل لها شأن عظيم في نفوسهم، وذلك لكثير من الصفات العظيمة، التي تتمتع بها، فالإبل استأثرت بالكثير من الأمثال الشعبية المحلية، فالإماراتي لم يترك شيئاً من الإبل أو ما يتصل بها أو بأخبارها إلا تمثل به، فقد تمثل بصبرها ووفائها وطباعها وسلوكها وحليبها وأصواتها ورعيها وسيرها، فقيل: «الحوار ما تضره دوسة أمه».

مشيراً إلى أن هذا المثل يدل على أن تأديب الأم والأب لا يضر الابن، بل يقومه ويصنع منه رجل المستقبل، وكذلك «اصبر يا جمل لين ما يجيك الربيع»، ويضرب هذا المثل للإنسان، الذي يكون لديه حاجة، فيطلبها ممن لا يقدر حاجته، فيعده بتحقيق مطلبه، لكن بعد فترة طويلة جداً، فكأنه يرفض طلبه شأنه في ذلك شأن من يترك الجمل الجائع ينتظر طيلة فصل الشتاء حتى يأتي الربيع ليرتع ويأكل ويشبع.

وذكر المسافري من أمثال الإبل الأخرى، التي تتردد على ألسنة أهل الإبل قولهم: «الجمل من جوفه يجتر»، ويضرب لمن يأكل من عرق جبينه.

المطر والماء

ويضيف المسافري: من الأمثال التي ذكرت عن المطر والماء: «سيل ما يبلك ما يهمك»، أي أن سقوط المطر في منطقة بعيدة لا يستفيد منه ساكنوها الأفضل ألا يفكروا به، مؤكداً أن المقصود أن كل شخص يجب عليه الاهتمام بأموره الشخصية، ولا يهتم ويفكر بما يعاني غيره أو بمعنى آخر اهتم بشؤونك فقط، ولا تتدخل في شؤون غيرك، وتطرق للأمثال الأخرى عن الماء والمطر قائلاً: «شل الماء لين الماء»، و«المطر قطرة على قطرة يظل غدير» و«اللال ما يروي العطشان».

تداخل ثقافي

وأكد بخيت سيف بن هندي (75عاماً) على وجود تداخل ثقافي بين سكان البادية وأهل الساحل «الحضر» من أبناء الإمارات، فهم على المستوى الاقتصادي يتبادلون مع بعضهم البعض منتجاتهم وصناعاتهم، وعلى مستوى العلاقات الاجتماعية، هناك تزاوج بينهم وتعارف، ولكنه يسير وفق نمط معين، يخضع للعادات والتقاليد، ويقول «أنا بدوي الأصل، لكن تركت حياة البادية واستقريت في المدينة بعد أن تزوجت بحضرية».

ويضيف ابن هندي: من الأمثال المشتركة والدارجة بين أهل البادية وأهل الحضر: «اللي ما يعرف الصقر يشويه» و«الشيفة شيفة والمعاني ضعيفة»، و«من طلع من داره قل مقداره»، و«اللي ما يعرفك ما يثمنك»، و«البعد بعد القلوب موب بعد الدروب»، و«من طول الغيبات ياب الغنايم»، و«عندك تاكل قال لا عندك تغرم قال هيه»، و«تموت الدياية وعينها على السبوس»، و«ردت حليمة لعادتها القديمة»، و«إذا ما طاعك الزمان طيعه حتى تستوي ربيعه».

 كنوز الأجداد

يرى بخيت سيف بن هندي (75عاماً) أن الأمثال الشعبية الإماراتية كثيرة ومتنوعة، ويصعب جمعها وحصرها، مؤكداً أن التذكير بها واجب تجاه الجيل الجديد، لعله ينتفع بهذا الموروث الثمين، وكنز الأجداد والآباء.

وتطرق ابن هندي لأمثال أخرى يختص بها أهل الحضر منها «القطو العود ما يتربى»، و«اللي في الجدر يطلعه الملاس»، و«حلاوة الثوب رقعته منه وفيه"، و«لو كل من يا ونير ما تم في الوادي شجر»، و«العلم في الصغر مثل نقش في الحجر والعلم في الكبر مثل نقش في المدر» و«كف صفعني نفعني»، و«أش على السحاب من نبح الكلاب»، و«أكبر منك بيوم أعلم منك بسنة»، و«الميت لا تضره الطعنة»، و«خير الكلام ما قل ودل»، و«لا تسرف ولو من البحر تغرف».