يمتلأ أرشيف الفن بأغنيات حفرت نفسها في الذاكرة، ورسخت جذورها في أعماق المشاهدين والمستمعين، ولم تترك وراءها سوى ذكريات ناعمة رقيقة ارتبطت بزمن جميل، وأطربت كل من التقطت أذناه ألحانها، فعاش قصة حبٍ على وَقْعِ كلماتها، وحَلَّق معها بين الواقع والخيال، والهجران واللقاء، والشوق والحنين.

ومن روائع السينما المصرية، انبثقت مجموعة كبيرة من الأغنيات التي عبرت عن حالات وجدانية مختلفة، فكانت أفلاماً بحد ذاتها، وقصصاً لا تنتهي، ونجحت بتميز ألحانها وكلماتها بأن تترك صدى كبيراً لا يزال يتردد ما بين القلب وشغافه، والعقل ونطاقه، والجسد وخلاياه.

الوسادة الخالية
مع الراحل الفنان عبدالحليم حافظ تبدأ الحكاية، فـ«وسادته الخالية» شهدت أول قصة حب، لينطلق بأغنيته «أول مرة تحب يا قلبي وأول يوم اتهنى»، التي يحفظها الكثيرون عن ظهر قلب، كما عاتب قسوة محبوبته بأغنيته «أسمر يا اسمراني مين قساك علي»، وأبدع في «تخونوه وعمره ما خانكم ولا اشتكى منكم».

وبعد عنائه مع الحب، لم يكن أمامه سوى أن يغني «توبة» في فيلم «أيام وليالي»، ليعلن انسحابه من العشق بشرط أن يلتقي بمحبوبه لآخر مرة، وكأنه يتحايل عليه لكسب اللقاء. هي أغنيات لم يكن ممكناً أن تمر مرور الكرام، فأحاسيسها أكبر من أن تموت مع انتهاء الأغنية، فبقيت وغيرها من أغنيات الراحل المبدع خالدة وباقية في أذهانها، وحاضرة في قلوبنا.

شقاوة السندريللا
ومن الرومانسية البحتة، إلى الشقاوة البحتة، التي اعتدنا عليها من سندريللا الشاشة العربية الفنانة سعاد حسني، ومع فيلم «خلي بالك من زوزو» انبثقت أغنية «يا واد يا تقيل» فكانت الأغنية التي تتنافس المغنيات على تقديمها لإظهار خفة ظلهن، ومحاولة جذب الجمهور، وهي الأغنية التي تجاري كل زمن، وفيها رأينا سعاد حسني بجمال وشقاوة لا مثيل لهما.

ولا ننسى أغنية «الدنيا ربيع» من فيلم «أميرة حبي أنا»، التي عكست عفوية السندريللا وخفة ظلها، وغيرها من أغنيات تبث الروح والمرح في لحظات الحنين لذلك الزمن الجميل وأميرته.

ثنائي جميل
ومع الفنانة شادية يطول الحديث، فقد قدمت مجموعة من أجمل أغنياتها التي تألقت فيها ما بين الرومانسية والشقاوة، من أهمها أغنية «سونا ياسون سون» من فيلم «التلميذة» وكأنها تنافس فيها بشقاوتها الفنانة سعاد حسني. وأغنية «سيد الحبايب يا ضنايا انت» من فيلم المرأة المجهولة».

وليس هناك أجمل من المزيج جمع عبدالحليم حافظ وشادية في أغنية «تعالي اقول لك» التي اشتركا في غنائها بفيلم «لحن الوفاء»، والتي أعلنتهما أجمل ثنائي في تاريخ السينما المصرية.

وإلى الخمسينات نعود مع الجمال، الذي تألق على وقع صوت المبدع فريد الأطرش في أغنيته يا «جميل يا جميل يا جميل على حبك بان لي دليل» في فيلمه «قصة حبي». ومع نورا نرحل، فقد أحببناها ورحلنا معها على صوت الأطرش، الذي غناها في فيلم «لحن حبي»، لدرجة أصبحت تتباهى كل «نورا» بتغني الفنان الكبير باسمها. ومع «منحرمش العمر منك» التي غناها في فيلم «حكاية العمر كله» عاش كل المحبين قصص حب لا تنتهي.

والحديث عن الموسيقار محمد عبدالوهاب يطول، فمن منا يستطيع أن ينسى أغنية «يا مسافر وحدك» و«ما كانش عالبال» التي غناهما في فيلم «ممنوع الحب» في عام 1942، وأغنية «عاشق الروح» التي تعد من العلامات الفارقة في موسيقاه، وغناها في فيلم «غزل البنات».


أوبرا ليلى
مع الصوت الأوبرالي الذي تنقلنا من خلاله الرائعة ليلى مراد إلى طبقات الغيوم، لا تزال المتسابقات في برامج المواهب اليوم يتغنين بأغنيتها الشهيرة «أنا قلبي دليلي» ليبرزن مهارات أصواتهن، لا سيما أن هذه الأغنية تنقلنا صعوداً وهبوطاً، حيث طبقات الصوت المتعددة ما بين العالية والمنخفضة.

ورغم أن تلك الأغنية هي الأشهر، إلا أن قائمتها مليئة بأغنيات كثيرة متميزة منها «الحب جميل» من فيلم «غزل البنات»، و«شفت منام» من فيلم «حبيب الروح». ولا يمكن نسيان أغنية «عيني بترف» التي غنتها إلى جانب نجيب الريحاني.