كخلية نحل في شخص واحد، كانت تتحرك بردائها الأبيض، في مسيرة العودة قرب السياج الفاصل بين قطاع غزة والمناطق المحتلة عام 1948، على مدار أيام الاعتصام والمواجهات. لم تتأخر الممرضة المتطوعة رزان النجار، ابنة العشرين ربيعاً، لحظة واحدة عن إسعاف المصابين، بل إن جرأتها جعلتها تتقدّم الصفوف الأولى للمسعفين، وتصل المناطق القريبة من السياج الفاصل لنقل الجرحى وتضميد جراحهم، حتى أصبحت أحد أعلام المسعفين في المنطقة الجنوبية.
حظيت باهتمام من المؤسسات الإعلامية لنشاطها الباهر، وحبها في خدمة الوطن وإسعاف المصابين، حتى أنهت حياتها في لحظاتها الأخيرة، شهيدة برصاص قناص إسرائيلي، أصابها برصاصة اخترقت صدرها، ارتقت على أثرها شهيدة.
أثار استشهاد رزان، غضب الفلسطينيين والفصائل والمؤسسات، لا سيما أن استشهادها جاء بعد مرحلة تصعيد للمقاومة مع الاحتلال، انتهت من دون اتفاق على «هدوء يقابله هدوء».
في الميادين
«أنا هنا في الميدان، تطوعت منذ بداية مسيرات العودة، وتعاملت في أول يوم أتواجد فيه مع 170 إصابة، ومن حقي كشابة وممرضة، أن أدافع عن وطني، وأعمل على إنقاذ أراوح شباب فلسطين الذين خرجوا فداء للوطن، وعندي من القوة والجرأة والعزيمة والإصرار، أني أنقذ جيشاً بكامله»، كانت هذه الكلمات، من آخر مقابلة إعلامية مع الشهيدة رزان. وقالت إنها مرت بمواقف صعبة، ولكنها ستكمل بإرادتها وعزيمتها، رغم استهدافها بالنار من قبل قناصة الاحتلال أكثر من مرة، بقنابل الغاز المسيل للدموع، لكنها واجهت كل هذه الاعتداءات بقوة، بوقوف ومساندة أهلها معها بإنقاذ أرواح الشباب المصابين.
ولم تكترث رزان للانتقادات التي وجهت لها من الكثير من المشاركين في مسيرة العودة، بوجودها في الصفوف الأولى للمسعفين، بل وجهت رسالة للفتيات في قطاع غزة، أن يسيروا على خطاها، وأن تكون قدوتهم بالدفاع عن الوطن، بإيصال رسالتها الإنسانية من المناطق الأكثر سخونة.
وكتبت رزان على فيسبوك قبل استشهادها: «راجع ومش حتراجع، وارشقني برصاصك ومش خايف، وأنا كل يوم بكون بأرضي سلمي وبأهلي حاشد، مستمرون بجمعة من غزة إلى حيفا».
وحوّلت رزان صفحتها على «الفيسبوك»، سجلاً لتاريخ البطولات الفلسطينية وقصص التحدي والمقاومة في مسيرات العودة، وسجلت الانتهاكات الإسرائيلية اليومية قرب السياج الفاصل، ووجدت تفاعلاً من الراغبين بمتابعة الأوضاع في مسيرة العودة.
رحلت رزان، وتركت خلفها جرحاً غائراً، أصاب كل الشعب الفلسطيني، وكل حر سمع استشهادها. وكانت مشاهد الألم حاضرة حول ثلاجة الموتى في المستشفى الأوروبي قرب جثمان الشهيدة رزان، فالبكاء والصراخ انتشرا في أروقة المستشفى، من زميلاتها في العمل من جهة، ومن عائلتها وأسرتها من جهة أخرى.
المشهد الصعب
والدتها لم تتحمّل الخبر، ولم تتحمل المشهد، فجلست على مقربة من ثلاجة الموتى، تحتضن ملابس ابنتها الشهيدة التي كانت ترتديها قبل استشهادها. إحدى زميلاتها المسعفات، روت تفاصيل اللحظات الأخيرة لاستشهاد رزان، حيث قالت، إنها وصلت إلى أحد الجرحى وهي ترفع يديها لتسعفه قرب السياج الفاصل، لكن قناص إسرائيلي استهدفها قبل الوصول.
أشرف النجار والد رزان، قال لـ «البيان»، إنه لم يتوقع يوماً من الأيام، أن يتم استهداف ابنته خلال عملها الإنساني، رغم ارتدائها لزي العمل الطبي، خاصة أنها كانت في كل حالة تتقدم لها، ترفع يديها للاحتلال.
وقال إن ابنته التحقت في العمل التطوعي منذ انطلاق مسيرات العودة، وأدّت واجبها على أكمل وجه، لكن الاحتلال يصر على ارتكاب الجرائم دائماً، وأن الكل الفلسطيني مستهدف، والدليل على ذلك، استهداف المسعفة رزان. واختتمت عائلتها المشهد الحزين داخل المنزل، بقول والدتها: «بنتي وردة، وبتحب الورد، وعشان هيك، شريت لها ورد في يوم وداعها».