اعتاد حلمي يوسف «12 عاماً» الذهاب إلى المرعى كل صباح برفقة ابني عمه حسام وأحمد، إذ لا تملك أسرتهم من ثروة سوى تلك الأغنام التي يعيشون على ما تنتجه من ألبان تمثّل مصدر رزقهم الوحيد. كان الأطفال الثلاثة يترافقون فوق سفوح جبال مديرية الوازعية بمحافظة تعز، حلمي يكبر ابني عمه بعام واحد فقط. لا حلم يراود الأطفال الثلاثة أكثر من أن تشرق شمس يوم ما تنتهي فيه الحرب ويتمكنون من العودة لفصول الدراسة التي احتلتها ميليشيا الحوثي الإيرانية منذ سيطرتها على قريتهم. لم ينل اليأس من حلمي وهو يقف على عتبة انتظار تحقق أحلامه البسيطة، كان يحلم ألّا يكون اسمه فارغاً من معناه، إلّا أنّ الأيام كانت تمضي والأحلام تتبدّد إلى أن تضاعف أمله ليس في العودة إلى المدرسة، بل فقدان ابني عمه وصديقي طفولته بقذيفة هاون حوثية.
كان حلمي يلهو من ابني عمه في أحد أيام شهر مارس بالقرب من أغنامهم، فيما كانت ميليشيا الحوثي تجهز لهم الموت هدية، عندما حوّلت قذيفة هاون حاقدة جسدي حسام وأحمد إلى أشلاء ممزقة، فيما لم تنسَ القذيفة أخذ نصيبها من حلمي بإصابة ساقه وأجزاء من جسده، في مشهد غيّر مجرى حياته إلى الأبد. «كنا نعلب سوياً، ابتعدت عنهم قليلاً وفجأة حدث انفجار كبير ولم أشاهدهما بعده أبداً»، هذا كل ما يذكره حلمي في اللحظات الأخيرة له مع رفيقيه اللذين قتلتهما قذيفة الميليشيا.
نهاية حلم
هبّت القرية كلها لموقع الانفجار، وعلت الصيحات والعويل المفزع، كان حلمي لا يزال متمسكاً بالحياة رغم جروحه الغائرة، فيما رحل رفيقاه إلى العالم الآخر في لحظات وتركاه وحيداً. حُمل حلمي على جناح السرعة بسيارة إسعاف تابعة للمقاومة المشتركة إلى مستشفى المخا ومنها إلى عدن، حيث تلقى العلاج على نفقة الهلال الأحمر الإماراتي، ولحقت به أسرته لتقطن مخيماً للنازحين، بعد أن أصبحت قذائف الحوثي خطراً يهدد سكان قرى الوازعية ويسرق منها أمنها وسلامها.
تهجير قسري
لقد نالت مديرية الوازعية بمحافظة تعز، وفق تقارير منظمات محلية، النصيب الأكبر من التهجير القسري، إذ أرغمت ميليشيا الحوثي الإيرانية، سكان 28 قرية على النزوح عن منازلهم، فيما وصل عدد النازحين من المديرية إلى خمسة آلاف أسرة موزعة على عدة محافظات. ويشكوا الكثيرون من نازحي الوازعية، من قيام الميليشيا بتفخيخ بيوتهم ومزارعهم، وتدمير الكثير منها باستهدافها المباشر بالقذائف، وهو الأمر الذي يحول دون عودتهم بعد تحرير مديريتهم.