تعيش الكثير من المصريات ممن فقدن مصدر إعالتهن، فأصبحن المسؤولات على الإنفاق على أسرهن وتولي أمورها واقعاً أليماً، وهي إحدى القضايا التي لاتزال في حاجة إلى اهتمام من الحكومة والمؤسسات المعنية بشؤون المرأة؛ والنساء أكثر فئات المجتمع حرماناً من فرص التعليم والعمل، والتدريب الكافي الذي يؤهلها للالتحاق بعمل ذي عائد كبير.
والمرأة المعيلة هي المطلقة والأرملة وزوجة العاجز أو المريض أو المسجون، والملزمة بإعالة أسرتها، وأكد تقرير صادر عن منظمة العمل الدولية، أن المعيلة أكثر الفئات تضرراً من الأزمة المالية؛ حيث تصل نسب الأسر التي تعولها النساء إلى 43 % على مستوى العالم، أي ما يُقارب نصف العدد، والظاهرة تطال الدول الغنية والفقيرة على حدٍ سواء، ففي أوروبا وأميركا تصل النسبة إلى 20 %، وترتفع في الدول النامية، ففي مصر تتراوح بين22 و33 %، وفي اليمن والسودان تصل إلى 23 %، وفي الدول العربية إجمالاً تبلغ 12.5 %.
ومتوسط عدد أفراد الأسرة التي تعولها النساء خمسة أفراد، ومعظمها فقدت الزوج والأب، إما بسبب الوفاة أو حدوث طلاق، والنسب تزداد بالدول التي تعاني حروباً، حيث يرتفع عدد الضحايا، وبالتالي يزداد عدد الأسر التي تعولها النساء.
وثلثا النساء يزاولن أعمالاً هامشية بلا عقود أو تأمينات اجتماعية، الأمر الذي يزيد من تعرضهن للتسريح، وقد وصل عدد المسرحات من العمل نحو 22 مليون امرأة حول العالم.
وتنتشر الظاهرة بشكل كبير في مصر لسببين رئيسيين هما ارتفاع نسبة الطلاق وتدني الحالة الاقتصادية للأسر، يضاف إليهما مؤقتاً مخلفات المشهد السياسي الذي تعيشه مصر حالياً.
وتؤكد أستاذة علم الاجتماع وعميدة كلية الدراسات الإنسانية سابقاً الدكتورة سامية الجندي، أن المرأة المعيلة أصبحت ظاهرة منتشرة في جميع أرجاء مصر ومحافظاتها، والتي تعود بشكل كبير إلى ارتفاع نسب الطلاق في المجتمع، إضافة للظروف السياسية السيئة التي تمر بها البلاد حالياً وقد خلف وقوع عدد كبير من الضحايا الرجال والشباب، عدداً كبيراً من الأرامل، ممن يجدر بهن تحمل مسؤوليات أسرهن وإعالتهم.
وبشكل عام فإن كثيراً من المعيلات يحصلن على مبلغ لا يتجاوز الأربعمائة جنيه كمعاش شهري، وهو مبلغ لا يكفي لتلبية الاحتياجات الأساسية لأية أسرة متوسطة الحال، سواء من مأكل أو ملبس ومصاريف تعليم، الأمر الذي يستلزم من كل مؤسسات الدولة والمؤسسات الحقوقية والمعنية بشؤون المرأة، إعادة النظر في أحوال المرأة المعيلة، والعمل بجهود جادة لتحسين وضعها الاقتصادي، وإيجاد البديل المادي المناسب لها، خاصة للسيدات ممن لا ينتسبن إلى التأمينات الاجتماعية أو لا يعملن في الجهات الحكومية.
وما أكثرهن، وهو ما نأمله في المرحلة المقبلة، ويجب من خلال ما طرأ من تعديلات دستورية، أن تلتفت الدولة والمؤسسات المعنية بالمرأة لوضع قوانين تعنى بالمعيلة في المقام الأول. وجميع دول أوروبا وأميركا، تمنح هذه الشريحة من النساء اهتماماً خاصاً من القائمين على شؤون الدولة، بتخصيص بدل حكومي يكفي سد احتياجاتهن المعيشية يصل إلى 1000 دولار شهرياً في بعض البلدان.
وتشدد أستاذ علم الاجتماع بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية الدكتورة عزة كريم، على ضرورة النهوض بالمرأة المعيلة في المجتمع المصري بالشكل المطلوب، فعلى المؤسسات والجمعيات المعنية بشؤونها والمهتمة بحقوقها، علاوة على دور الحكومة في تنمية مهارات المعيلة وإكسابها المهارات اللازمة لالتحاقها بالأعمال، والقدرة على إقامة مشروعات صغيرة، تدر لها الدخل المناسب.