بخطى حثيثة ومفاجئة، تتجه منطقة القرن الأفريقي إلى استعادة الأمل في الهدوء والاستقرار بعد سنوات من الصراعات والعداوات الخفية والمعلنة، وخلال أيام معدودات أعلن عن طي صفحة الحرب بين إثيوبيا وإريتريا، وفتح صفحة جديدة في العلاقات الإثيوبية مع الصومال وجيبوتي ومصر، وتدشين الحل السياسي في جنوب السودان.

ويرى المراقبون أن القرن الأفريقي خطا خطوات حاسمة على درب تجاوز ظلمات النفق الذي طالما شهد وأد أحلام شعوبه، وانطلق ليعانق شمس السلام التي سيمكنه نورها من القضاء على مظاهر الإرهاب والتطرف والمواجهات والتهديدات المستمرة بين دوله ومناطقه وقبائله، مشيرين إلى الدور المحوري والمهم الذي بذلته دولة الإمارات العربية المتحدة للوصول إلى هذا الموعد التاريخي مع الحسم في اتجاه السلام والتعاون، وخاصة بعد توقيع الاتفاق التاريخي بين إثيوبيا وإريتريا، والذي جاء لينهي عقدين من الحروب والمواجهات بين البلدين.

وثمن وزير الخارجية الإثيوبي ورقينه جبيو، دور دولة الإمارات العربية المتحدة، في إصلاح العلاقات بين بلاده وإريتريا. وأبرز أن الاتفاق التاريخي بين أديس أبابا وأسمرة جاء نتيجة جهود صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، قائلاً: «صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، كصديق لإريتريا وإثيوبيا كان يدفع باتجاه حدوث هذا اليوم. لذلك نحن نشكر صديقنا وحليفنا على الجهد الذي بذله».

ويجمع المتابعون لشؤون القرن الأفريقي على أهمية الدور الإماراتي في تقريب المسافات بين دول المنطقة، بهدف تجاوز الخلافات السابقة، وصولاً إلى مرحلة الأمن والاستقرار والتنمية والازدهار، منطلقين من قناعة راسخة بأن المشروع الإماراتي هو ذاك الذي ينبني على أسس السلام والتعاون والتسامح والحوار بين الأفراد والجماعات والشعوب والأمم، في مواجهة مشاريع بث الفوضى والدمار والخراب ونشر الإرهاب والتطرف ودعم الجماعات المارقة عن القانون والموغلة في دماء الأبرياء.

ووفق المحلل السياسي السعودي خالد الزعتر، فإن «جهود الإمارات في إنهاء نزاع إرتيريا وإثيوبيا سيقطع الطريق أمام دول الفوضى في توظيف الأزمات للتمدد بالقارة الأفريقية»، لافتاً إلى «نجاح دبلوماسية الإمارات وجهود صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، في إنهاء نزاع إرتيريا وإثيوبيا» وإلى «الحضور المتزايد للإمارات في القرن الأفريقي، ودعمها لتحقيق التنمية سيساهم في تضييق الدائرة على الوجود الإيراني الذي يحاول التمدد في القارة الأفريقية».

إثيوبيا والصومال

ولا يمكن الحديث عن انفراجة في القرن الأفريقي بمعزل عن الوصل في الصومال، ففي 16 يونيو الماضي حلّ رئيس الحكومة الإثيوبية آبي أحمد بمقديشو استجابة لدعوة من الرئيس الصومالي محمد عبد الله فرماجو وبعد محادثات مطولة بين زعيمي الصومال وإثيوبيا تناولت القضايا ذات الاهتمام المشترك بين الدولتين الجارتين توصلا إلى اتفاقية تتكون من 16 بنداً تتعلق بالسياسة والأمن والاقتصاد.

الفرص الضائعة

وكما أوضح رئيس الحكومة الإثيوبية بقوله إن «المنطقة تسعى إلى تعويض الفرص الضائعة»، يتجه القرن الأفريقي إلى عهد جديد قوامه الأمن والاستقرار، تدعمه دولة الإمارات بالجهود السياسية والدبلوماسية والرؤية الاستراتيجية والدعم الاقتصادي والمساعدات الإنسانية.

ويعتبر المحللون أن عودة الاستقرار لمنطقة القرن الأفريقي، سيمثل خطوة مهمة على طريق تأمين الأمن القومي العربي في باب المندب وخليج عدن وعموم بحر العرب، وكذلك على استعادة الدور العربي البنّاء والفاعل إيجابياً في جزء مهم من أفريقيا، بما سيمثل نموذجاً للاحتذاء في بقايا مناطق القارة السمراء ذات العلاقة التاريخية والحضارية والاستراتيجية بالوطن العربي.

كما أن دول القرن الأفريقي، ستجد في هذه التحولات المهمة، فرصة لطرد الإرهاب وداعميه ومموليه، ولقطع أيادي القوى الإقليمية والدولية الساعية إلى إرباكه، والعاملة على استغلال موقعه ومقدراته وثرواته لخدمة الأجندات التوسعية المشبوهة، والتي طالما كانت تعتمد على مبدأ فرّق تسد للسيطرة على مراكز النفوذ والقرار في دول المنطقة، والدفع بها إلى حروب عبثية سواء كانت حروباً أهلية كما حدث في الصومال وجنوب السودان، أو حروباً بينية كما حصل بين إثيوبيا وإريتريا، إضافة إلى تعميق الصراع بما يهدد بمعارك حول الحدود بين إريتريا وجيبوتي من جهة وإريتريا والسودان من جهة أخرى.

وعلى هذا الصعيد، تؤكد مصادر دبلوماسية أن أغلب تلك الصراعات يمكن تجاوزها بوساطة الوسيط النزيه، المحترم من قبل مختلف الفرقاء، في إشارة إلى الدور الإماراتي الذي نجح في فك فتيل الحرب بين أديس أبابا وأسمرة بعد 20 عاماً من القطيعة السياسية والتوتر الميداني، وأعطى لقيمة السلام والحوار معناها الحقيقي في المنطقة إعلاناً عن تدشين مرحلة جديدة قوامها الأمن والاستقرار والتنمية والازدهار.