جاءت كلمة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، حول الأحداث في مصر، أمس، لتزيح الضبابية التي أحاطت ببعض العقول حول المشهد المصري منذ بداية الأحداث، إذ تخبطت المواقف الغربية والإقليمية، وما تبعها من سحب لسفراء بعض الدول للتشاور، وممارسة أقصى درجات الضغط على الرئاسة والحكومة الانتقالية الحالية.
رسائل عدة، بعثها الملك عبد الله بن عبد العزيز، في كلمته للمصريين الذين واجهوا منذ الثورة الثانية 30 يونيو، استفزازا غربيا وإقليميا؛ تارة بإيقاف المساعدات، وتارة بإيقاف المناورات العسكرية المشتركة، معتقدين أن مصر صاحبة التاريخ العريق ستضعف بسبب خذلانهم، أو أنها لا تملك أشقاء صادقين معها، ليكون الموقف السعودي أمس مخرسا لكل ما عداه من مواقف مغالطة تحاول جعل الجناة الحقيقيين المكابرين في موضع الضحية، وهم ـ في واقعهم ـ أهل الفتنة ورافضو الحوار، فضلا عن أنهم لا يأبهون بمصر وأمنها، بقدر اهتمامهم بفصيلهم الذي تحالفوا من أجله مع جماعات الإرهاب المعروفة، ومع أعداء مصر، بل وتحالفوا من أجل "جماعة" مع أعداء الأمة كلها، في صورة مخزية من صور الإصرار على القتل والخراب والدمار، وعدم الخضوع لصوت العقل، أو الوقوف عند حدود المصلحة الوطنية التي لا يعرفها هؤلاء، ولا يعرفها مؤيدوهم، ولا يستطيع فهمها تابعوهم من البسطاء والسذج الذين تغرهم المظاهر، وتوجج عواطفهم لغة الخطاب الإعلامي التحريضي الكاذب الذي اعتادت عليه أحزاب الفتنة عبر تاريخها القائم على التضليل والخداع والمخاتلة والمتاجرة بالدماء والعقائد والقيم.
المملكة، كانت على الدوام السند الرئيس لمصر في كل المحن التي مرت بها أرض الكنانة، وما كلمة الملك عبدالله إلا امتداد واضح للوقفة الأخوية التي اعتادت عليها القاهرة من شقيقتها الرياض، وهما اللتان كانتا ولا تزالان تمثلان الثقل العربي الحقيقي الرئيس في المحافل والمنظمات الإقليمية والدولية.
يتعين على كل رجال مصر والأمتين العربية والإسلامية، والشرفاء من العلماء وأهل الفكر والوعي والعقل والقلم، أن يتفاعلوا مع دعوة الملك عبد الله بن عبد العزيز، بالوقوف وقفة رجل واحد وقلب واحد في وجه كل من يحاول أن يزعزع الأمن في دولة لها في تاريخ الأمتين الإسلامية والعربية مكان الصدارة. كما يتعين على كل من تدخل في "الشأن المصري" بهدف تأجيج نار الفتنة ، سواء أكان ذلك بقول أم بموقف، أن يدركوا خطأهم الجسيم قبل فوات الأوان، وأن يستوعبوا جيدا رسائل الملك الموجهة إليهم.
مصر العروبة والإسلام، باقية، وقادرة ـ كما تجاوزت الكثير من المحن والمنعطفات الخطيرة على مدار التاريخ ـ على العبور إلى بر الأمان، لأن الأحداث لن تزيد مصر الكيان إلا قوة وإصرارا ومعرفة بأصدقائها الحقيقيين الذين ميزتهم الشدة عن أعدائها وأعداء الأمة.