أول من أمس، أوصت هيئة قضائية شكلتها الحكومة المصرية، بوقف قيد "جمعية الإخوان المسلمين"، وهو الإجراء القانوني الأول من نوعه ضد "الجماعة"، التي كان يمكنها أن تبقى في دائرتي: الوجود والسياسة، لو أنها لم تحوّل حملتها لدعم الرئيس المعزول إلى مواجهات دموية، ذهب ضحيتها أرواح وأموال عامة، هي أموال الشعب المصري كله.

يقول المراقبون القانونيون، إن وقف قيد "جمعية الإخوان المسلمين" لا يعني فرض حظر رسمي عليها، فيما تجمع آراء المتابعين للشأن المصري، ولتاريخ "الجماعة" على وجه الخصوص، أنه إذا وجد حظر رسمي كامل للتنظيم، فإن ذلك لن يؤدي إلى نهايتها؛ لأنها منذ تأسيسها قادرة على العمل السري، وهو ما استطاعته عبر عقود، غير أن التوصية الصادرة عن هيئة مفوضي الدولة المصرية، بوقف قيد "الجماعة" سيؤثر على أدائها وتأثيرها، وسيقلل من عدد أعضائها الذي يُقال إنه يتجاوز مليون شخص.

وبما أن مستقبل "الإخوان" لم يعد يهم عامة المصريين، بعد تجربتهم المريرة معهم، سواء خلال حكم "الإخوان"، أم بعد الإطاحة الشعبية بهم، فإن المهم هو مستقبل مصر، ومدى تأثير وقف قيد "الجماعة" أو حضرها على الأمن الوطني، بوصفه ركيزة الحياة كلها، ذلك أن مواجهة "الإخوان المسلمون" لم تعد مع السلطة وحسب، كما كان يحدث في الماضي، وإنما صارت مع السلطة وجموع الشعب، مما ينذر بعواقب وخيمة، إن لم تستدرك "الجماعة" ذلك، وتعيد العقل إلى دوره؛ لأنه ليس من العقل أن أواجه شعبا وسلطة، وليس من الوطنية أن أحرق البلاد ومن فيها من أجل استعادة سلطة أفلتت بأفعالي، لا بفعل الآخرين.

مؤيدو "الإخوان"، وبرغم اعتقال بعض قياداتهم تمهيدا لمحاكمتهم بتهم مختلفة ومتفاوتة، أشهرها: التحريض على القتل، ما زالوا ينظمون مظاهراتهم واحتجاجاتهم التي يواجهها المصريون بشيء من القوة، مما يزيد في أسباب القلق، ويجعل الاستقرار بعيدا عن الآمال؛ لأن كل اضطراب يقود إلى اضطراب، وكل مواجهة تستدعي مواجهة.

وقف قيد "الجماعة" قد يكون مجديا بشكل جزئي، وحظرها كذلك، والجدوى الجزئية ليست حلا؛ لأن المشكلة باتت أمنا وطنيا، ولذا يبقى الحوار مع عقلاء الجماعة أيسر السبل إلى استعادة الاستقرار؛ لأن تركيبة الجماعة قائمة على السمع والطاعة للقيادات، فإن هم أمروهم بالتوقف عن الإخلال بالأمن، توقفوا دون شك.