مصر الآن تحارب الإرهاب وجها لوجه. فبعد تفجيرات سابقة وقعت في سيناء العام 2012، وبعد اختطاف عدة جنود مصريين، وبعد محاولة اغتيال وزير الداخلية المصري محمد إبراهيم، وقع أمس تفجير إرهابي في هذه المنطقة باستخدام عربتي نقل محملتين بالمتفجرات، قتل في هذه العملية 6 من أفراد العسكر، وجرح 17 آخرون، بينهم 7 مدنيين. السلطات المصرية أغلقت معبر رفح على إثر هذا الحادث.
سيناء باتت مرتعا للجماعات الجهادية المتطرفة، بعد عام من نجاح ثورة الـ25 من يناير. هذه الجماعات طارئة على مصر، هي لا تعترف بالدولة أو مؤسساتها، كما أنها لا تؤمن بمفهوم المواطنة، أما موقفها من الديموقراطية والأقليات ومؤسسات المجتمع المدني فهو الرفض التام لهذه المفاهيم كونها كفرا. هي لا تؤمن إلا بلغة السلاح، والقتل، والاغتيال، وسائر أنواع الإرهاب، ومع الأسف يتم تصدير هذه الثقافة باسم الدين الحنيف.
خطر هذه الجماعات لا يقتصر على تهديد الأمن، بل يتعداه إلى محاولة التغلغل في النسيج الثقافي المصري المتمدن. هذه التنظيمات المتطرفة تهدف إلى خلخلة الكيان المصري، والعبث بهويته، والوصول إلى السلطة عبر القتل، وباستخدام الدين كمجرد وسيلة لتنفيذ مخططات رجعية كفيلة بإسقاط الأوطان والشعوب في مستنقعات الحروب الأهلية والطائفية.
مصر تحديدا، وفي هذا الوقت، في أمس الحاجة إلى مواجهة هذه التنظيمات على مختلف الجبهات؛ لأن خطر الإرهابيين قد يتمدد إلى دول المنطقة، في هذه الظروف المعقدة، ربما يتم التركيز على الجانب الأمني لوقف عمليات العنف من قبل المتطرفين، لكن الحلول الأمنية قد تكون موقتة، فأفكار هذه التنظيمات وفتاواها وطرق تمويلها وثقافتها ينبغي الوقوف لها وتعريتها، وكشف حقيقتها أمام المجتمع، مؤسسة الأزهر وفقهاء مصر، وإعلاميوها ومثقفوها ينبغي عليهم تأدية دورهم في المفاصلة مع أفكار ورؤى هذه التنظيمات. ينبغي التصدي لثقافة التكفير والإقصاء، وإرساء مفاهيم المواطنة، ورد اعتبار الدولة، كما يتعين على المصريين استصدار قوانين تجرم التكفير والطائفية بشتى صورها. مصر هي أمل المنطقة في إحياء مفاهيم الدولة المدنية التي تقوم على المواطنة، وما تستلزمه من إحياء ثقافة التعدد والتسامح، وإصلاح ما لحق بهذا الدين العظيم من تشويه على أيدي هؤلاء المتطرفين.