ما إن يطرح موضوع الجنسية والتجنيس في مجتمعاتنا الخليجية إلا ويثير زوبعة!! ومبعث تلك الزوبعة هو سوء الفهم الحاصل عند الكثيرين بأن مناقشة مسألة الجنسية والتجنيس هو مقدمة لفتح باب الحصول عليها على مصراعيه.
ولعل ما يؤجج الموقف ويزيد من حدة النقاش ويجعله يجنح إلى مواقف متصلبة وفي بعض الأحيان غير عقلانية ولا تساير ما يجري في العالم، بل ما يقتضيه حال مجتمعاتنا، أن الاستشهاد يكون بتجارب الدول الأخرى.
وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا، والتي تضع شروطاً ميسرة للحصول على جنسيتها، بل إن من يكون مسقط رأسه على بعضها كالولايات المتحدة يكون مواطناً بصفة أصلية وليس متجنساً، حتى لو كان أبوه أجنبياً.
ويجانب هؤلاء الصواب حينما يتخذون من تجارب تلك الدول شواهد وأمثلة لتأكيد حجتهم بحل مشكلة اختلال التركيبة السكانية عبر عملية التجنيس.
ذلك أن ثمة إجماعاً في مجتمعاتنا الخليجية باستبعاد التجنيس كوسيلة لتعديل الاختلال السكاني حفاظاً على الهوية الوطنية. فما قامت به ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية، وما تقوم به الولايات المتحدة الأميركية حالات لا يمكن البناء عليها لمجتمعات صغيرة، سكانها الأصليون قليلو العدد ويرغبون في المحافظة على أنفسهم من الذوبان.
إذن، حديث الجنسية في مجتمعاتنا يشير إلى " التجنيس الانتقائي " الذي يعود بالنفع علينا ويزيد من عناصر القوة فيها. خذوا مثالاً قرأته في جريدة كويتية منذ عدة سنوات، وهو خبر عن شركة كويتية رائدة تأسست منذ أربعينات القرن الماضي، احتفلت بتقاعد مديرها الوافد الذي أمضى في عمله في الشركة خمسين سنة بالتمام والكمال ( نصف قرن ). فكرت في هذا الرجل الشريف وأمثاله كثيرون الذي أمضى نصف قرن في البلاد.
يعمل بشرف وأمانة، ورزق بأبناء ولدوا على هذه الأرض وتعلموا في مدارسها، وربما له أحفاد أيضاً، الكويت مسقط رأسهم، ترى ألا يستحق هذا الرجل المستقيم جنسية الأرض التي عاش عليها معظم حياته، والتي أصبحت مسكناً لأبنائه وأحفاده.
إن قوانين الجنسية في كل دولنا الخليجية " تجيز " منح مثل هذا الشخص الجنسية، علماً بأن الجنسية بصفة التجنس هي " منحة " يكون تقدير منحها للدولة لأنها من أعمال السيادة. إن ثمة تياراً قوياً بين مثقفي الخليج العربي يرى بأن تجنيس مثل هؤلاء، أقصد الذين أمضوا مدداً طويلة، وتطبعوا بطبائع أهلها من حيث اللهجة والمظهر والاندماج والعلاقات وربما المصاهرة، والذين خدموا بوظائفهم المميزة هذه الدول، إن هؤلاء أهل لمنحهم الجنسية.
هناك نوع آخر من التجنيس يتم الحديث عنه، لكن هذا التجنيس هو حل لمشكلة قائمة في المجتمع، لا خيار له إلا بحلها. أنظروا مثلاً مشكلة المواطنة الخليجية المتزوجة من أجنبي، والتي تريد أن يحصل أبناؤها على نفس الامتيازات التي يحصل عليها أبناء المواطن الخليجي المتزوج من أجنبية، ناهيك أن يحصلوا على جنسيتها، كما المتبع الآن في الدول المتقدمة وبعض الدول العربية وعلى رأسها مصر والمغرب وتونس.
وقوانين الجنسية في دول الخليج العربي تجيز معاملة أبناء المواطنة القصر المتزوجة من أجنبي والمطلقة طلاقاً بائناً أو التي هجرها زوجها معاملة المواطنين إلى أن يبلغوا سن الرشد، ثم يخيروا بين جنسية أبيهم أو أمهم. وهذه الحالات أصبحت كثيرة في مجتمعاتنا نتيجة الزواج المختلط.
أما مسألة البدون أو عديمي الجنسية، سواء كان هؤلاء من المدعين أم المحقين، فإنها تبرز كلما نشر أي خبر أو تصريح أو نقاش في الجنسية. ولننظر إلى مشكلة هؤلاء كأحد إفرازات تشكل الدولة الحديثة في منطقتنا وما رافقت تلك العملية من ظواهر اجتماعية. ولننظر إليها في المقام الأول على أنها مشكلة إنسانية لابد أن نضع نهاية سعيدة لها، لأن عدم حلها سيفاقمها مع مرور الزمن، وستكون لها انعكاسات سلبية على الأمن الاجتماعي في بلداننا.