منذ أن قامت إسرائيل حددت أهدافها البعيدة، وهي أهداف عدوانية تضع في حسابها احتلال فلسطين بكاملها، وتشجيع تهجير اليهود لفلسطين ثم إقامة دولة يهودية فيها. وبدأوا منذ مؤتمر بال عام 1897 تطبيق هذه الخطة بحذافيرها، وكانوا يقتنصون كل فرصة لتحقيق ذلك، مستغلين التطورات خلال النصف الأول من القرن العشرين، ثم خلال النصف الثاني منه.

لقد تبدت الأهداف الصهيونية والاستراتيجية التي وضعها الصهاينة الأوائل، واضحة منذ قيام الدولة الصهيونية، فلم يعلنوا في وثيقة «الاستقلال» عند قيام إسرائيل، ماهية الدولة التي أقاموها ونوعها، واكتفوا بالقول إنها «دولة إسرائيل»؛ أي أنها كيان صهيوني لا جمهورية ولا ملكية، تمهيداً لاعتبارها يوماً ما دولة يهودية عندما تحين الظروف المناسبة.

فقد جاء في «وثيقة الاستقلال» أنها «دولة يهودية قامت لجمع الشتات اليهودي».

ويبدو أن هذه الظروف حانت منذ بضع سنوات مع الضعف العربي، فبدأت الأحزاب والسياسيون الإسرائيليون يطرحون تحويل إسرائيل إلى دولة يهودية، ويعملون للحصول على اعتراف الفلسطينيين بها حسب هذه الصيغة.

وكانوا في أول الأمر يعبرون عن هذا الهدف ويسوقونه باستحياء، سواء في الداخل أو في الخارج، لأن تحويل إسرائيل لدولة يهودية يعني تحويلها إلى دولة عنصرية لا تضم إلا اليهود، ولا تعتبر العرب الذين ما زالوا هناك مواطنين، لأنهم ليسوا يهوداً مع أن نسبتهم تتجاوز 20% من السكان، ويعني أخيراً أن اعتراف الفلسطينيين بيهوديتها يلغي حق العودة تلقائياً.

وفي الوقت نفسه فإن عالم اليوم لا يقبل مثل هذا التوصيف، لأنه توصيف عنصري صريح. وفي الحقيقة لم يطرأ هذا الأمر لاحقاً على السياسة الإسرائيلية، وإنما بدأت تطبيقه منذ قيام إسرائيل، عندما اعتبرت أن أي يهودي تطأ قدماه أرض فلسطين يصبح مواطناً إسرائيلياً.

أمر ثانٍ تجاهله المؤسسون الصهاينة وما زالت السياسة الإسرائيلية تتجاهله، وهو أنهم لم يضعوا دستوراً لإسرائيل، لأن الدستور يحدد هوية المواطن وبنية الدولة أيضاً وهذا ما لا يريدونه، وإنما يريدون أن يكون المواطن يهودياً فقط، لكنهم يدركون استحالة طرد العرب، ولذلك اكتفوا بإصدار قوانين أساسية لتسيير الدولة بدلاً عن الدستور.

كما عزفوا عن تحديد بنية الدولة ورسم حدودها، لكي يبقى فم إسرائيل مفتوحاً لقضم الأراضي العربية الفلسطينية، تنفيذاً لمبدأ الدولة غير مرسومة الحدود والتي يمكن توسيعها حسب الظروف.

إن هذه المبادئ الرئيسة التي أصر عليها القادة الإسرائيليون منذ ما قبل تأسيس «دولة إسرائيل»، ما زالت حية وراهنة حتى الآن، وينتظرون الظروف المناسبة لتحقيقها. ويبدو أن الضعف العربي الحالي والسياسة الإسرائيلية الناجحة مع الأوروبيين والأميركيين، جعلت الظروف مناسبة لطرح هذه الأفكار الآن تمهيداً للبدء في تطبيقها.

وهذه الأفكار العنصرية والعدوانية ليست وليدة برامج الأحزاب الإسرائيلية الحالية ولا تياراتها السياسية، بل هي أهداف تاريخية واستراتيجية وُضعت منذ مائة عام، وكانت حكومات إسرائيل المتتابعة ترى هذه الأهداف بدقة وتستغل الفرص لتنفيذها مهما كانت عنصرية وعدوانية.

ولم تكن الأحزاب التي تسمى معتدلة كحزب «المابام» سابقاً و«حزب العمل» أو حركة «السلام الآن» حالياً، تستنكر طرح هذه الأفكار من قبل اليمين الإسرائيلي، بل تسكت على نشاطاته لتطبيقها، لأنها أهداف صهيونية فوق الجميع وملزمة للجميع بما في ذلك الأحزاب «المعتدلة».

إن يهودية الدولة تعني في النهاية ترحيل العرب من إسرائيل، وتخليهم نهائياً عن حق العودة وعن أراضيهم الخصبة، التي قام عليها تاريخهم وحضارتهم وهويتهم، وهم يرفضون بطبيعة الحال أن يعاملوا كأفراد أو كبدو رحل يمكن أن يرحّلوا من هنا إلى هناك، بدلاً من التعامل معهم كمجتمع متكامل، له خصوصيته وثقافته وهويته ولغته ومطامحه وآماله.

عبرت الحكومة الإسرائيلية عن غضبها الشديد لمجرد مصالحة فتح وحماس، أي لمجرد وفاق الفلسطينيين، تحت مبرر أن حماس لم تعترف بالدولة الإسرائيلية.

وبغض النظر عن المغالطات في مثل هذا الطرح وعن الأهداف منه، فقد تجاهلت الحكومة الإسرائيلية صلف الأحزاب الإسرائيلية العنصرية، بل شديدة العنصرية، التي تعمل لطرد العرب الفلسطينيين وترفض إقامة دولة فلسطينية، بل لا تقبل حتى إقامة حكم ذاتي للفلسطينيين في غزة والضفة الغربية، وأشركتها في الحكومة ووزير الخارجية العنصري المتطرف مثالاً.

ولنفترض أن أهداف حماس هي كما تقول الحكومة الإسرائيلية، فإنها، أي حماس، حزب فلسطيني داخل السلطة الفلسطينية، تماماً كهذه الأحزاب داخل الحكومة الإسرائيلية.

ويصح القول هنا إن موقف إسرائيل موقف كاذب يبحث عن مبررات، فهي التي لا تريد المفاوضات ولا الوصول إلى اتفاق قبل تحقيق أهدافها. ولذلك اقتنع جون كيري وزير الخارجية الأميركية هو وإدارته، بأن الحكومة الإسرائيلية تمارس ممارسات عنصرية، ولا تريد أي اتفاق إلا بعد أن تحقق مصالحها وأهدافها الاستراتيجية.