لم يخطئ من قال إن الإرهابيين والمتطرفين قد اختطفوا الإسلام وأضافوا إليه وانتقصوا منه، حتى غدا إسلاماً آخر لا علاقة له فعلياً بصحيح الدين، مما أدى إلى تشويه الإسلام الحقيقي من جهة، والإساءة للمسلمين في مختلف أنحاء العالم من جهة أخرى، ووضع المسلمين الحقيقيين أمام معضلة كبرى. وتبدّت انحرافات هؤلاء المنحرفين واضحةً في تعاملهم مع أتباع الديانات الأخرى، وخاصة من ينتسبون للهوية العربية ويعيشون على الأرض العربية منذ آلاف السنين، وقدموا للحضارة العربية وللثقافة العربية ما لا يمكن حصره من الإنجازات والنجاحات.

نلاحظ أن المجموعات الإرهابية التي استولت على أراضٍ وسكان في سوريا والعراق، اهتمت بأمرين بالدرجة الأولى، وتناست القضايا الأساسية الأكبر والأهم التي تتعلق بمصير الأمة والناس. وهاتان المسألتان هما: شؤون المرأة، والموقف من المسيحيين.

ولم يكن أي من الأمرين ذا أولوية في الإسلام الأول ولا في التاريخ الإسلامي اللاحق، وتناسوا ضرورات التحرر والعدل واحتياجات الناس ورفاههم وتراثهم.

لقد فرض هؤلاء المتطرفون على المرأة لباساً لم يفرضه الإسلام، ولا حتى الفقهاء المتشددون مثلهم عبر التاريخ الإسلامي، وخالفوا الحديث النبوي الشريف الذي أباح كشف وجه المرأة ويديها، ومنعوا تواجد الرجال والنساء في مكان واحد، والبيع للنساء أو العمل معاً، حتى لو كان ذلك لتأمين لقمة العيش، وعاقبوا المرأة على الشبهة، وباعوها سبية بالمزاد العلني، متجاهلين مئات السنين من التقدم الإنساني والقيم الإنسانية والإسلامية أولاً، وفرضوا الجزية في القرن العشرين (مع أن الجزية لها شروط أخرى مختلفة إسلامياً، وفرضت قبل أربعة عشر قرناً.

حيث لم يكن موضوع المواطنة واضحاً، ولم يطبقها الخليفة عمر بن الخطاب على بني تغلب، مراعياً الظروف). هدم المتطرفون الكنائس، مع أن جميع الخلفاء الراشدين والأمويين من بعدهم، لم يهدموا كنيسة واحدة إلا برضى المسيحيين، ومقابل تعويض مجزٍ يساوي أضعاف ثمنها. كما قتلوا المسيحيين من دون ذنب ولا محاكمة، ونعتوا مخالفيهم بالكفر والزندقة والخروج من الدين.

ينبغي أخذ العبر من الإسلام الأول، من عصر الخلفاء الراشدين والقرن الأول الهجري. فقد احتُرمت الحقوق الفردية والجماعية لأهل الكتاب، تنفيذاً لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: »من ظلم معاهداً أو كلفه فوق طاقته فأنا حجيجه«، ووصيته بأن »لا يُظلموا ولا يؤذوا ولا يكلفوا فوق طاقتهم، ولا يؤخذ شيء من أموالهم إلا بالحق«. ووصية الخليفة عمر بن الخطاب »أن يقاتل من وراءهم ولا يكلفوا فوق طاقتهم«.

ولهذا كان ضجيج أجراس الكنائس أيام معاوية، يقطع على هذا الخليفة المتقدم في السن قيلولة يحتاج إليها، وعليه وقف المسيحيون أيام الحروب الصليبية مع بني قومهم، وحسب المؤرخ زابوروف فإن »السكان في القسم الشرقي من حوض المتوسط المنتسبين إلى مختلف التيارات والطوائف المسيحية، لم يفتشوا يوماً عن الحماية، لا في الشرق ولا في بيزنطة«. وفي عصر النهضة قال الإمام محمد عبده، إن انتساب غير المسلمين إلى الأمة لا يقل أصالة عن انتساب المسلمين أنفسهم إليها.

وقال نجيب عازوي في القرن الثامن عشر، وهو من النهضويين العرب: »إن هناك أمة عربية واحدة تضم مسيحيين ومسلمين على السواء، وإن المشاكل الدينية التي تنشأ بين أبناء الأديان المختلفة، إنما هي في الحقيقة مشاكل سياسية تثيرها اصطناعياً قوى خارجية لمصلحتها الخاصة«، ويبدو أن الحال ما زال هو الحال، بعد ما يقارب القرنين.

لقد أساء الإرهابيون المتطرفون للإسلام وأعطوا صورة عنه بأنه دين العنف والإقصاء، وعن المسلمين بأنهم قتلة متشوقة للدماء، إضافة للخرافات التي نشروها ونفذوا مضمونها زاعمين أنها أحكام شرعية، ومعظمهم أشباه أميين لا يعرفون عن الدين شيئاً، نصبوا أنفسهم مجتهدين وفقهاء ومفتيين، واستسهلوا قتل الناس من كل الأديان.

وربما كان هؤلاء الإرهابيون والمتطرفون هم الوليد الشرعي للجمود الفقهي الذي حرّف الإسلام وأحكامه الشرعية الحقيقية، وأضافوا إليها بعض السياسة والمواقف التي لا تخرج عن إطار فكرهم المتخلف.

إنهم في الواقع يخترعون ديناً جديداً، لا هو من الإسلام ولا من تعاليمه، ويتجاهلون أربعة عشر قرناً من التطور والتقدم الثقافي والإنساني، ويبتعدون عن أسس الإسلام الصحيح، ويتلاعبون بالدين كله ويؤسسون ديناً جديداً بدائياً!