تشرّفت بتسلّم »جائزة الشيخ عيسى بن علي آل خليفة للعمل التطوعي« تقديراً لمساهماتي في الأعمال الخيرية والإنسانية. لا شك في أن تكريم الآخرين على جهودهم من أجل تحسين مجتمعاتهم وإحداث فارق فيها أمرٌ مشجِّع ويستحق التنويه، إلا أنني أعتبر أنه من واجب الجميع مساعدة أولئك المحتاجين الأقل حظوةً، والأهم أن هذه الفضيلة هي أحد أهم أركان الإسلام.

توجّهت في مطلع هذا الأسبوع إلى المنامة للمشاركة في حفل تكريمي في فندق ريتز كارلتون، حيث تسلّمتُ مع أشخاص آخرين من مختلف أنحاء العالم العربي جوائز مرموقة. وقد أسفت لاحقاً لأنني لم أخطّط للمكوث لفترة أطول في البحرين بدلاً من الاكتفاء بيوم واحد، لكنني أنوي تصويب هذا الخطأ بالعودة إلى هناك قريباً جداً.

لقد كانت تمضية يوم واحد في البحرين حيث لقيت ترحيباً حاراً من أصحاب السموّ الملكي، وغمرني الإخوة والأخوات البحرينيون بمشاعر الود والألفة، كافيةً كي تترك لديّ انطباعاً تعجز الكلمات عن وصفه. منذ اللحظة التي استقبلني فيها راعي الجائزة، الشيخ عيسى بن علي، في المطار إلى حين مغادرتي عائداً إلى دبي، لقينا معاملة استثنائية بغاية اللطف والمودّة أنا وفريقي.

من أبرز المحطات التي عشتها في ذلك اليوم فرصة لقاء رئيس الوزراء البحريني، الشيخ خليفة بن سلمان آل خليفة، عقب حفل التكريم، والتباحث معه في مواضيع متنوّعة.

ولا بد لي من أن أضيف أنني أُعجِبت كثيراً بحفيدَيه الشيخ عيسى بن علي، راعي الجائزة، وأخيه الشيخ خليفة بن علي الذي يشهد حبّه لبلاده، ورقيّه في التعامل مع الآخرين، وإحساسه بالواجب، على الجذور الراسخة للأسرة المالكة. وكان لي أيضاً شرف لقاء نائب رئيس الوزراء البحريني، الشيخ علي بن خليفة آل خليفة، على مائدة الغداء.

لقد مرت سنوات طويلة عديدة منذ زيارتي الأخيرة إلى البحرين، ولا يسعني سوى أن أشعر بالدهشة والذهول أمام هذا التمازج الرائع والشديد الإتقان بين الحداثة والمعالم التاريخية، ولعل هذا هو أحد الأسباب وراء اختيار جامعة الدول العربية مدينة المنامة »العاصمة العربية للثقافة« عام 2012.

لكن فيما كنت أتجوّل في الشوارع القديمة والأنيقة في حي المحرق القديم، تملّكني شعورٌ بالسلام في ذلك المكان الذي يتميّز بحفاظه على التقاليد العربية الأصيلة. هناك يلتقي الماضي بالحاضر؛ في ذلك المكان، لا تزال ثقافة الخليج العربي الجميلة، المتجذّرة في حسن الضيافة، والكرم، والسخاء، والعناية بالآخرين، حاضرة وماثلة أمام عيوننا من دون أن تؤثّر فيها عوامل الإلهاء الكثيرة في القرن الحادي والعشرين.

أعادتني الأجواء المريحة إلى الأيام الخوالي عندما كان الجميع يعرفون بعضهم بعضاً، ويعيشون بحسب معتقدات أجدادهم وأسلافهم. في تلك الحقبة، لم يكن أحد يغلق باب منزله الأمامي..

ولم يكن هناك من داعٍ لحجز موعد من أجل زيارة الأصدقاء. كان عابرو السبيل يبتسمون أو يتوقّفون لتجاذب أطراف الحديث. حتى إنني التقيت بعض الأشخاص الذين يواظبون على قراءة مقالاتي، وقد قالوا لي إنهم معجبون بصراحتي وآرائي المباشرة حول المسائل والقضايا الإقليمية.

ببساطة، عاملني مضيفيّ من أصحاب الجلالة الملكية والبحرينيون الذين التقيتهم وكأنني واحد منهم. نادراً ما شعرت في أي مكان آخر في العالم بهذه الألفة، وكأنني حقاً في دياري؛ شعرتُ وكأنني أزور أفراداً من العائلة. عندما كنت أنظر في عيونهم، كنت أشعر بدفء حقيقي من النوع الذي يعبّرون عنه بطريقة طبيعية وغير مفتعلة، بدلاً من أن يكون بدافع اللياقة فقط.

تذكّرت مرة أخرى الروابط الشديدة اللحمة التي كانت تجمع بين شعوب دول الخليج العربي؛ روابط التاريخ والدين والتقاليد والإرث الثقافي، وفي معظم الأحيان، روابط الدم. سواء كنّا إماراتيين أم سعوديين أم بحرينيين أم كويتيين أم قطريين أم عُمانيين، نحن شعب أبيٌّ وشديد الاعتزاز تجمع بيننا الروابط العشائرية أباً عن جد، واستعدادنا للتكاتف معاً في أوقات المحن. وهذا ما يُميّزنا.

مجلس التعاون الخليجي هو أكثر من مجرد اتحاد سياسي أو اقتصادي فضفاض على شاكلة الاتحاد الأوروبي. إنه المصرف الذي يحفظ مستقبلنا جميعاً ويصونه في خزنته، لأننا شعب واحد بغض النظر عن جواز السفر الذي نحمله، أو الطريقة التي نرتدي بها الغترة، أو عدد ناطحات السحاب التي تُزيّن أفقنا.

نعم، نحن شعب واحد، وبفضل شعب البحرين، تنبّهتُ لهذا الواقع الذي لطالما كنت مدركاً له في اللاوعي. لا شك في أن خلافات تقع بيننا من حين لآخر، كما يحدث عادةً في أية عائلة، لكن يجب ألا يغيب عن بالنا أبداً أننا عندما نكون يداً واحدة وقلباً واحداً، يستحيل إلحاق الهزيمة بنا من جانب أعدائنا الذين يخطّطون لزرع الشقاق بيننا.

لقد أنعم الله تعالى علينا بالوفرة والموارد، لكن يجب ألا ننسى، أو نسمح لأولادنا بأن ينسوا نضالنا في الماضي عندما لم نكن نملك الكثير، ما عدا بعضنا البعض، وعندما امتدّت أيادٍ كثيرة للمساعدة؛ وفي زمنٍ كان الأشخاص يقدّمون فيه وجبتهم الأخيرة إلى غريبٍ حتى ولو كانوا هم يشعرون بالجوع.

لا تزال هذه القيم الركيزة الأساسية التي تقوم عليها البحرين، تماماً كما كانت متجذّرة عندنا عندما كنت فتى صغيراً أرافق والدي في رحلةٍ لأداء الحج، وقد شعرت بتوعّك شديد ما اضطُرّنا إلى إلغاء الرحلة والعودة أدراجنا. لم نتمكّن من العثور على مركب متوجّه إلى دبي، فصعدنا على متن قارب وجهته البحرين حيث استقبلنا رئيس التشريفات في الديوان الملكي.

وجرى اصطحابنا إلى فندق بسيط لم نكن نملك ثمن الإقامة فيه. لا بد من أن مالك الفندق تفهّم المأزق الذي كنّا فيه، لأنه أرسل إلينا وجبة من الكاري والأرز على حساب الفندق. في اليوم التالي، دُهِشنا لدى تلقّينا دعوة للقاء الحاكم آنذاك، الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة، الذي سمح لنا سخاؤه بالعودة إلى ديارنا بأمان. وقد اكتشفت مرةً أخرى أن الرأفة التي تحلّى بها الشيخ سلمان متجذّرة في نفوس العائلة المالكة البحرينية اليوم، ولا تزال حيّةً في قلوب الشعب البحريني. بارككم الله جميعاً!