إذا نظرنا إلى الدول الصناعية المتقدمة في أوروبا وأميركا الشمالية ثم اليابان، ومن بعدها ـ وخلال العقود الماضية ـ فيما عرف بالاقتصادات الناشئة في النمور الآسيوية وأخيراً الصين والى حد ما في الهند والبرازيل، فإننا نجد أن آدم سميث كان ـ إلى حد بعيد ـ على حق، وأن الصواب قد صاحبه في مقولاته. فالاقتصاد أظهر أنه بحق هو علم خلق الثروات للأفراد والدول.

ولكن هذا النجاح الاقتصادي لم يكن من نصيب العالم في مجموعه. فأغلبية سكان العالم العددية ما زالت تعيش في الدول النامية في إفريقيا وقطاعات واسعة من آسيا وأميركا الجنوبية. وما زالت أوضاعهم المعيشية بائسة.

ولم يقتصر الأمر على عدم تمتعهم بمزايا الحضارة الصناعية، بل إنهم أصبحوا أيضاً ضحايا لظروف بائسة جدت مع الحضارة الجديدة ظهرت في تكدس المدن وتدهور البيئة المحيطة.

يتضح مما تقدم أنه لا يمكن القطع في ضوء التجربة التاريخية لعلم الاقتصاد القول بأن هذا الفرع من العلوم هو «العلم الكئيب»، كما لا يمكن ـ من ناحية أخرى الادعاء بأنه العلم المرح أو المتفائل. فالحقيقة أن الاقتصاد ـ شأنه في ذلك مثل العلوم الطبيعية والإنسانية، لا يقدم وصفة للسعادة أو الشقاء..

ولكنه يشير إلى «قوانين» وقواعد للنشاط الاقتصادي تربط الأسباب بالنتائج. فالعلم ـ كل علم ـ يبنى «الإمكانات» المتاحة من ناحية، «والقيود» الواردة عليها من ناحية أخرى. ونجاح الإنسان أو فشله يرجع إلى حسن أو سوء استخدامه لهذه القوانين. فقوانين الفيزياء أو الكيمياء قد تساعد على زيادة قدرة الإنسان في السفر والترحال.

ولكنها أيضاً قد تغريه بإلقاء القنابل الفتاكة للقتل والتدمير. فالمشكلة ليست في العلم في ذاته، وإنما في كيفية استخدامه ومن يستخدمه وكيف؟

إذا كان آدم سميث قد ركز في كتاباته على «إمكانات» علم الاقتصاد، فإن أتباعه سواء ريكاردو أو مالتس ـ جاء تركيزهم على «القيود» بأكثر منها على «الإمكانات». ومن أهم القيود التي تعوق حركة الاقتصاد على النحو المطلوب النمو السكاني غير المنضبط والذي يمكن أن يجاوز قدرات الاقتصاد. فتكون النتيجة مزيداً من الفقر بدلاً من الثراء.

يكفي أن نتذكر هنا تاريخ تزايد أعداد البشرية. فيذكر علماء تطور الأجناس أن ظهور الإنسان (العاقل) قد خرج من إفريقيا إلى أوراسيا (أوروبا وآسيا) منذ نحو 120 ـ 140 ألف سنة في شكل قبيلة أو عشيرة إفريقية ولم يزد عددهم على ألف شخص.

وهذه هي بداية انتشار الإنسان في أرجاء المعمورة. ومنذ ذلك الحين بدأ التزايد السكاني حتى وصلت البشرية في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين إلى رقم المليار نسمة.

هذا عن خطر الانفجار السكاني، فماذا عن مخاطر البيئة؟ لا يختلف الأمر كثيراً. ففي البداية كانت معدلات التدهور محدودة، ولكنها ـ ومع مرور الزمن ـ ازدادت حدة على نحو مشابه لما حدث مع السكان. وقد يكفي أن نشير هنا إلى بعض المؤشرات. فمثلاً هناك احتمال لتزايد معدلات ثاني أكسيد الكربون إلى الضعف نحو سنة 2050.

ويرى بعض العلماء أن نسبة ثاني أكسيد الكربون الحالية لم تعرفها الكرة الأرضية منذ حوالي ثلاثة ملايين سنة. كذلك ارتفعت درجات الحرارة بأقل قليلاً من درجة مئوية منذ قيام الثورة الصناعية. ومع ارتفاع درجات الحرارة. فهناك مخاطر على الإنتاج الزراعي الغذائي ومدى توافر المياه العذبة، كما هناك خطر ارتفاع مستوى سطح البحار.. والقائمة طويلة.