أثار الإعلان عن مبادرة التحالف الإسلامي العسكري موجة كبيرة من ردود الفعل، وهذه طبيعة الأشياء في المشاريع الكبيرة، فهي تصنع الحدث الذي يترك للآخرين تحليله والتعليق عليه، ولكي نكون منصفين يجب أن ننظر للأمور بواقعية ونحاول أن نكون حيادين قدر الإمكان.

مشروع التحالف الإسلامي عاطفيا يستثير أفئدة مئات الملايين من المسلمين الذين اكتووا بنار الإرهاب وشعروا أن هناك من يحاول اختطاف دينهم وإلصاق تهمة الإرهاب به، وهم يشعرون بالغصة لأن هذا التاريخ العظيم من الإنجازات والمبادىء التي تقوم على السلام والمحبة ظهر من بين أبناء الإسلام من يحمل معولا لهدم هذا كله والأسوأ أنه باسم الإسلام.

كتب الدبلوماسي البريطاني «اوليفير ميليس» أن التحالف قد لايكون أكثر من تنسيقي فقط، ولكي نكون منصفين فهناك إجابات أوضحها الأمير محمد بن سلمان ولي ولي العهد السعودي ووزير الدفاع غابت عن البعض في التعليق على هذا التحالف، أولها أن التحالف الإسلامي سيتصدى لأي منظمة إرهابية، وأن كل دولة في التحالف ستساهم وفق قدراتها.

وقال إن التحالف الجديد سيقوم بالتنسيق مع جميع المنظمات الدولية، مشيرا إلى أنه سيحارب الإرهاب عسكرياً وفكرياً وإعلامياً، وحينما سئل عن تنظيم الحشود العسكرية وحجم مشاركة كل دولة وموقع تجمع القوات، كان الأمير محمد واضحاً بأن لن يكون هناك حشود عسكرية، بل مركز عمليات في الرياض واستدعاء القوات وعددها يحدد حسب الحالة وبالتفاهم مع الدول المشاركة وبالتنسيق مع المنظمات الدولية، وهذه الإجابة تحسم كثيرا من الأسئلة حول مشروع المبادرة.

السعودية كانت لها تجربة قوية ومازالت قائمة في قيادة تحالف عاصفة الحزم التي يشارك فيها نحو عشر دول وليس فقط تنسيقاً استخباراتياً وسياسياً بل بتواجد ومشاركة عسكرية فاعلة، وهي العملية العسكرية التي أعادت الشرعية إلى اليمن وحررت حتى الآن اكثر من سبعين في المائة من الأراضي اليمنية، وأوقفت فوضى التدخلات الخارجية في الشأن الداخلي اليمني، تحالف عاصفة الحزم كان مبادرة سعودية فاجأت الكثير من دول العالم ولم تكن مبادرة تنظيرية بل ترجمت إلى ارض الواقع، وهذه سابقة يمكن أن يرجع إليها في القياس.

هناك من التحليلات الأجنبية من اعتبرت هذا التحالف على أنه تحالف سني في مواجهة تحالف شيعي، والحقيقة أن السعودية ترفض هذا التصنيف فهي ضد الطائفية في منهجها السياسي وهي طرحت هذا التحالف لمحاربة الإرهاب، ومشكلة بعض المحللين الغربيين تسطيح الواقع وتبسيطه بشكل يخل بحقائق الأمور، فالتوجه للتصنيفات كتحالف سني يقابله تحالف شيعي هو شرح يستسهله كثيرون بحكم محدودية المعرفة واختزالها بشكل كبير، والحقيقة أن هذا التحالف يواجه الإرهاب أيا كان مصدره ومذهبه وهو «سيكون شريكا للعالم في محاربة الإرهاب».

هذا يتطلب التوافق على تعريف الإرهاب وتحديد المنظمات الإرهابية وهي عملية مهمة وجوهرية في مشروع التخلص من الإرهاب، فتعريف الإرهاب وتحديد الجهات والمنظمات الإرهابية شرط أساس قبل الشروع في الحرب على الإرهاب، وهنا تحد مهم في هذا التوافق لأن جماعات الإرهاب توسعت وبعضها نجح في تحالفات فأصبح التنظيم الإرهابي جزءا من نظام متطرف، لكن وجود تصنيف لهذه المنظمات الإرهابية يجعل الأمور واضحة وتصبح المسؤولية مشتركة على الدول الإسلامية للتخلص من هذا الداء السرطاني.

الحرب كما أوضح ولي ولي العهد لن تكون محصورة في الشأن العسكري فقط، بل الفكري والإعلامي وهذا يجعل الحرب أقوى تأثيرا ومتى ما استطاعت الدول الإسلامية أن تتبنى مشروعاً موحداً فكرياً وإعلامياً في مواجهة الفكر المتطرف فإن حسم المعركة سيكون أسرع وأقوى تأثيراً، والجانب العسكري هو المكمل لعناصر الحرب على الإرهاب وليس المحور الوحيد.

من التساؤلات التي طرحت على مشروع التحالف التعارض بينه وبين المقترح الذي طرح في القمة العربية في مارس الماضي بإنشاء قوة عربية مشتركة وهو المقترح الذي اجتمع القادة العسكريون لبحث الخطوات العملية لتنفيذه، بينما الواقع يقول إن مشروع التحالف الإسلامي العسكري يستهدف محاربة الإرهاب، بينما القوة العربية المشتركة فهي لحماية الأمن القومي العربي داخل العالم العربي، وبالتالي فالمهمات والأهداف تختلف.

مشروع التحالف الإسلامي العسكري أوجد صوتا إسلاميا موحدا لمواجهة الإرهاب، ومن الطبيعي أن تكون هناك تساؤلات، ولكن المبادرة بالمشروع كخطوة مهمة تجعل العالم يدرك أن المسلمين انفسهم هم ضحايا الإرهاب وهم متفقون على محاربته أفضل من الجلوس وندب الحظ والبكاء على اللبن المسكوب، فالتشويه الذي تعرض له الإسلام من جراء هذه المنظمات الإرهابية قاس وغير عادل، والعالم كان يترقب أن يسمع صوتا قويا من المسلمين يحددون فيه موقفهم ومصيرهم.

هناك تفاصيل وإجراءات مهمة في المشروع ينتظرها المتابعون والمراقبون، ولكن المطلوب من الجميع أن يسعى للمساعدة في نجاحه، فالقضية لاتهم دولة بذاتها بل تهم الأمة بكاملها، وكان الموقف الإيجابي من المرجعيات المهمة مثل هيئة كبار العلماء في السعودية والأزهر الشريف ومجمع الفقه الإسلامي في تأييد هذه الخطوة رسالة مهمة أننا الآن في الطريق الصحيح لصناعة موقف إسلامي موحد يحمي حاضرنا ويصون ديننا وتاريخنا.