تتحدث وسائل الإعلام في مصر عن خطر الاقتراض من روسيا، من أجل بناء محطة نووية للطاقة، وأبدأ بالقول: إنني لا أعرف تفاصيل هذا المشروع المقترح تمويله من الجانب الروسي، بتكلفة يقال إنها تحتاج إلى قرض بنحو 25 مليار دولار تسدد للدائن (روسيا) خلال فترة تزيد على ربع قرن، وقد تعددت الآراء المعلنة بخطورة هذا المشروع نظراً لضخامة حجم المديونية المترتبة عليه، فهل هذا كاف لإبداء آراء بشأن الموضوع؟!

ليس الغرض من هذا المقال تأييد أو الاعتراض على المشروع ذاته، فذلك يتطلب دراسة كاملة لاقتصادات المشروع وشروط القرض وأساليب سداده والمواعيد المقررة لذلك.

ولكن السبب في إعداد هذا المقال، أن معظم التساؤلات حوله كانت متعلقة بخطورة المشروع بالنظر لضخامة حجم القرض، وسؤالي هو: هل ارتفاع قيمة القرض ـ وبصرف النظر عن مواصفات المشروع الفنية والاقتصادية ـ كاف للحكم بأنه يهدد مستقبل الاقتصاد المصري؟ هذا هو السؤال.

قبل أن أجيب عن هذا السؤال بشكل مباشر، أود أن أذكر أن ارتفاع قيمة القرض في أي علاقة مالية، لا تعني بالضرورة ـ أن هذا المدين في موقف حرج لأنه مضطر للاستدانة، بقدر ما تعني أن هذا المدين والمشروع الذي يقدمه يتمتع بمصداقية عالية مما يدعو مؤسسات التمويل لتوفير التمويل اللازم لهذا المشروع،.

فالملاحظة الأولية المستخلصة من توفير هذا التمويل الأجنبي هي تأكيد مصداقية المقترض وشهادة على سلامته المالية وعلى الثقة في المواصفات الفنية وقدرته على توليد عائدات كافية لسداد أقساط القرض.

بشكل عام، فإنه كلما ارتفعت قيمة القرض المقترح، كانت مؤسسات التمويل أكثر تشدداً في التأكيد من سلامة المشروع فنياً ومالياً، وبالتالي امكانات النجاح. والسبب في ذلك، أنه إذا كان المستفيد الأول من نجاح المشروع هو المالك المقترض، فإن الخاسر الأكبر من فشله هو الدائن الذي لن يستطيع أن يستوفي حقوقه بسهولة ويسر.

ويكفي أن ننظر إلى أوضاع اليونان حالياً مع الدول الأوروبية الدائنة، فنظراً لكبر حجم القروض الأوروبية لليونان، وعدم قدرة الاقتصاد اليوناني في وضعه الحالي على الوفاء بالتزاماته، فإن التفكير يتجه إلى تقديم مزيد من الدعم المالي لليونان لتمكينها من إجراء إصلاحات اقتصادية ومالية تساعدها على البدء في سداد ديونها خلال فترة قد تمتد إلى أربعة أو خمسة عقود.

فالخاسر الأول من فشل المشروع هو الدائن، لذلك فإنه يحرص ـ عادة ـ على الدراسة الجادة للمشروعات قبل تقديم أي تمويل. ومن هنا جاءت العبارة الشهيرة للاقتصادي البريطاني كينز بأنه »إذا كنت مديناً للبنك بألف جنيه فأنت في مأزق، أما إذا كنت مديناً للبنك بعشرة ملايين جنيه، فالبنك في مأزق« فالخاسر الأكبر من فشل المشروع هو الدائن.

وذلك فإن ارتفاع قيمة القرض لا تعني بالضرورة ـ بأن المدين في وضع سيئ، بقدر ما تعني أن هذا المدين يتمتع بثقة ومصداقية في الأوساط المالية، فالمدين الأكبر في العالم اليوم هو الولايات المتحدة.

هذه المديونية العالية إنما هي نتيجة ارتفاع الثقة في الاقتصاد الأميركي. وقد استطاعت الولايات المتحدة، خلال الأزمة المالية في 2008، أن تزيد قروض الخزانة الأميركية بعدة تريليونات من الدولارات تم توفيرها من الأسواق المالية..

وكان هذا تأكيداً على قوة الاقتصاد الأميركي، وليس ضعفه، فإقبال الدائن على تمويل المدين هو بالدرجة الأولى دليل ثقة هذا الدائن في مصداقية المدين وفي المشروع الذي يموله.

ليس معنى ذلك، أن المشروع يصبح جيداً لمجرد وجود تمويل أجنبي في شكل دائنين من الخارج، فقد يكون المشروع مرتفع التكاليف بالمقارنة بعروض أخرى أو بسبب قصور في النواحي الفنية أو التأثيرات البيئية.

فسلامة المشروع لا تتوقف على ارتفاع أو انخفاض القروض التي يحصل عليها، بقدر ما يتوقف على سلامة اقتصاديات المشروعات وقدرته على تحقيق إيرادات كافية في المستقبل لسداد تكلفة إنشائه، فإذا توافرت هذه المقومات ولم توجد عروض أفضل، فإن قبول الدائن بتوفير تمويل للمشروع بمبالغ كبيرة تسدد على فترة زمنية طويلة إنما هو دليل على الثقة في المشروع وفي مصداقية الدولة التي تتعرض لإقامة هذا المشروع.

وبالنسبة لي، فإنني لم اطلع على تفاصيل هذا المشروع، فإنه يبدو لي للوهلة الأولى أن قبول دولة أجنبية ـ روسيا ـ تمويل مشروع بهذا الحجم..

حيث يسدد القرض على فترة طويلة، إنما هو دليل على سلامة المشروع والثقة في مستقبل الاقتصاد المصري فلا توجد دولة في العالم تقبل تمويل مشروعات ضخمة خاسرة في دول أخرى، فهي هنا صاحبة مصلحة في نجاح المشروع، ليس فقط لاستيراد قيمة القرض والفوائد إنما أيضاً لحماية سمعة الدولة الغنية والمالية.

وهذا المشروع يحتاج إلى دراسة تفصيلية من جميع النواحي الفنية والمالية والبينية، ومقارنته بالمشروعات الأخرى للتحقيق من سلامته، أما رفض المشروع لمجرد تقديم قروض كبيرة لتنفيذه، فهذا في الحقيقة لا يمثل خطراً على البلد بقدر ما يقدم ثقة الممولين الأجانب في مستقبل الاقتصاد المصري.