لا أتذكر متى بدأت متابعة وقائع وتفاصيل حملات انتخابات الرئاسة الأميركية، لتصبح أحد أهم ما أتابعه من المسائل السياسية، ولكن ذلك حدث في الغالب مع بداية التقاط البث التلفزيونى الفضائي، الذي أتاح لنا أن نشاهد هذه الوقائع لحظة بلحظة، وبالتفصيل الممل، بعد أن كنا نكتفي بقراءة موجز لما تنقله عنها الصحف ووكالات الأنباء.

وفضلاً عن أن هذه الوقائع كانت تشبع جوعنا للديمقراطية التي كانت - ولا تزال - من الأحلام العربية المقيدة في جدول أعمال التاريخ - فقد كنا من فرط الإجهاد - قد بدأنا نسلم - بعد ممانعة طويلة بالحقيقة التي تقول إن 99٪ من أوراق اللعبة السياسية في المنطقة وفي العالم، في يد أميركا، وإن نتيجة الانتخابات الأميركية - سوف تؤثر بالقطع - في مسار قضية الصراع العربي الإسرائيلي، وهو ما قادنا - بعد ذلك - إلى متابعة وقائع الانتخابات البرلمانية الإسرائيلية، على أمل أن تسفر هذه النتائج عن حل لهذه القضية، وأن تقود إلى المكتب البيضاوي في البيت الأبيض، أو إلى مقر رئاسة الحكومة في القدس المحتلة، رجل طيب ينقذنا من الانتظار الممل، والمفاوضات التي لا تقود إلا إلى جولات أخرى من التفاوض، لا تسفر - في النهاية - عن حل للمشكلة التي استنفدت أعمارنا.

ومع أن التجربة، كانت قد أثبتت لنا في كل مرة، أن «أحمد» زي «الحاج أحمد» و«أوباما» لا يختلف عن «بوش» و«باراك» هو طبعة أخرى من «نتنياهو» وأن شيئاً لن يحدث غير الذي عهدناه وجربناه، فقد ظلت غواية متابعة وقائع الحملات الانتخابية الرئاسية والبرلمانية في أميركا وإسرائيل، تتملكنا، ربما لأنه لم يعد في أيدينا من أوراق اللعبة، سوى إشعال الحروب الأهلية فيما بيننا. وكانت هذه الغواية هي التي قادتني ليلة الثلاثاء الماضي، إلى السهر حتى الفجر، لكي أتابع البث الحي لأولى المناظرات التلفزيونية، بين المرشحين «هيلاري كلينتون» و«دونالد ترامب».

ومع أن المناظرة -بالنسبة لي -كانت قد انتهت قبل أن تبدأ، بعد أن تبارى طرفاها -قبل ساعات من بدئها -في الإدلاء بتصريحات يؤكد فيها كل منهما، أنه سوف يلتزم بأمن إسرائيل، مما أكد لي أنه لا جديد تحت الشمس، وأن الأمل في أن يدخل البيت الأبيض رئيس أميركى يقف موقفاً محايداً ومنصفاً، بين الحقوق العربية وما تدعي إسرائيل في فلسطين، لا يختلف عن عشم إبليس في دخول الجنة.

وكما هي العادة في كل الانتخابات الرئاسية الأميركية، فقد ركز كل منهما على السياسة الداخلية، بحكم أنهما يخاطبان ناخباً لا تهتم أكثريته بالشؤون الدولية، ولم يلفت نظري في هذا الملف، إلا أن الانحياز الاجتماعي لكل منهما، بدا واضحاً يخلو من أي التباس، فقد ركزت «كلينتون» على ما يهم الطبقات الوسطى، ووعدت برفع الضرائب على الشرائح العليا من المجتمع، بينما ركز «ترامب» على تنشيط الاستثمار، وحماية مصالح رجال الأعمال، بما يؤدي إلى زيادة النمو الاقتصادي بنسبة 4٪ وبذلك تتحول أميركا -كما قال -إلى دولة عظيمة.

وكان طبيعياً أن تقود المناظرة حول الشؤون الداخلية، الطرفين إلى تناول السياسة الخارجية، وهو المجال الذي استغله «ترامب» لتوجيه انتقادات حادة إلى أخطاء وخطايا سياسات الديمقراطيين الدولية، سواء اتبعتها إدارة «أوباما» أو وقعت فيها «كلينتون» نفسها خلال الفترة التي تولت فيها وزارة الخارجية، خاصة ما يتعلق منها بسياستها تجاه العراق أو ليبيا، أو المصالحة مع إيران، التي توقع «ترامب» أنها سوف تمكن طهران من امتلاك السلاح النووي خلال عشر سنوات.

وإذا كان من السابق لأوانه الآن التنبؤ بما إذا كان الحمار الديمقراطي هو الذي سيدخل إلى البيت الأبيض، أو كان الفيل الجمهوري هو الذي سيجلس خلف المكتب البيضاوي، فليس من السابق لأوانه أن ننتظر نحن العرب، في قلق هذه النتيجة، وأن نختلف فيما بيننا حول أيهما أصلح لحل مشاكلنا المقيدة في جدول أعمال التاريخ، والتي سلمنا بأن 99٪ من أوراقها في يد المجالس في البيت الأبيض: هل هو الحمار الديمقراطي الذي تدعو مرشحته «هيلاري كلينتون» علناً، إلى أن هذا الحل يكمن في إدماج الجماعات الدينية المتطرفة في العملية السياسية في بلاد ما يعرف بالربيع العربي، لكي تسلم ما تبقى من البضاعة الفلسطينية إلى إسرائيل، أم هو الفيل الجمهوري العنصري، الذي وعد مرشحه «ترامب» بأن يقيد كل هذه الجماعات في قائمة الإرهابيين، وأن يقيدنا جميعاً أعضاء بها؟

وهذا -كما قال «هاملت» في مسرحية شكسبير الشهيرة -هو السؤال الذي لا إجابة له.