شهد العالم في نهاية القرن العشرين موجة من الديمقراطية، وتعزيزاً للمجتمع المدني، وظهور المشهد الإعلامي الجمعي والديمقراطي، الذي يحمل معه التزامات نحو حرية التعبير، وتعميق مفاهيم الديمقراطية ومع هذا التحول باتت الحاجة ماسة إلى الإعلام المجتمعي.
ويتم الخلط الآن في استخدام مصطلحين قريبين من بعضهما الإعلام الاجتماعي، والإعلام المجتمعي.
الإعلام الاجتماعي مرتبط بمنصات شبكات التواصل الاجتماعي، وعلاقتها بالمشهد الإعلامي وما نتج عنه من دور، يلعبه الأفراد في التواصل بين الأفراد والجماعات، لتشكل أنماطاً جديدة من الاتصال، يتجاوز مفهوم الاتصال التقليدي ليلعب فيها الشخص العادي دور الصحافي والمراسل الإعلامي، وهذا ما انبثق عنه مفهوم الإعلام البديل، وصار يُسمّى الإعلام الاجتماعي.
أما مفهوم الإعلام المجتمعي المطبوع أو المذاع، أو عبر الإنترنت فهو مصطلح ذو مفهوم مختلف عن مفهوم الإعلام الاجتماعي، إذ إنه مجموعة وسائل الإعلام المستقلة غير الربحية والتابعة للمجتمع المدني.
يسعى الإعلام المجتمعي إلى خلق بديل لكل وسائل الإعلام، ومن بينها الإذاعات العامة الرسمية والتجارية.
نحن بحاجة إلى الإعلام المجتمعي، لأن له جملة فوائد، إذ إنه معني بتحقيق الأثر الاجتماعي الذي يسهم في التنمية والتغيير الاجتماعي، وتحسين الحياة والمعيشة، وحماية الكرامة الإنسانية وتعزيز الحكم الرشيد وتحقيق العدالة والمساءلة. إنه يوفر وسائل لتوصيل صوت الناس وتسهيل المناقشات العامة حول قضايا المجتمع المحلي، ويعمل على تبادل المعلومات والمعرفة والمساهمة في عملية صنع القرار العام.
والإعلام المجتمعي باعتباره تعبيراً عن منظمات المجتمع المدني موجود في أنحاء مختلفة من بلدان العالم، التي تسعى بأن تكون وسيلة للتعبير عن قضايا المجتمع، وما فيه من تنوع في اللغات المحلية والثقافات.
وأول ظهور لحركة الإعلام المجتمعي الحديثة يمكن إرجاعه إلى 1940 مع إنشاء محطات الإذاعة المحلية في مجتمعات تعدين القصدير في بوليفيا، والمحطات الإذاعية التربوية في كولومبيا.
وخلال ربع القرن الماضي كانت هناك زيادة ضخمة في عدد الإذاعات المجتمعية، التي تديرها منظمات الحركات الاجتماعية والنقابات. وتشمل هذه المحطات الإذاعية التعليمية ومحطات الراديو، التي تأخذ في الاعتبار اللغات والتقاليد المحلية.
وفي حين شهد العرب الإعلام المجتمعي مبكراً بوجود الوسائل الإعلامية المطبوعة من صحف ومجلات الصادرة عن الجمعيات والروابط والأندية الثقافية والرياضية، لكنها كانت محدودة التوزيع، واستهدفت فئة المتعلمين.
أما الإعلام المجتمعي الإذاعي هو أكثر حداثة في الوطن العربي. وكان لظهور شبكة الإنترنت كونها منصة وسائل إعلام تأثير عميق على توفير الفرص للبث الإذاعي دون الحاجة إلى استخدام طيف الترددات الراديوية.
ولعل تجربة راديو البلد (سابقاً راديو عمّان نت المجتمعي) في الأردن من أوائل التجارب العربية التي بدأت في عام 2000، حيث مكنت شبكة الإنترنت ظهور الإذاعة على الشبكة، وبعد صدور قرار حكومي بمنح رخص لإنشاء إذاعات خاصة في الأردن عام 2005 وبدأت «عمان نت» بثها في منطقة عمان الكبرى.
وفي عام 2007 تم تسجيل شبكة الإعلام المجتمعي مؤسسة غير ربحية تدير «راديو البلد»، وموقعها الإلكتروني «عمان نت». والآن هناك ترخيص لنحو خمسين إذاعة من بينها العديد من الإذاعات المجتمعية، التي تعود إدارتها للجامعات والبلديات وغيرها.
وتسعى هذه التجربة وغيرها من الممارسات في مجال الإعلام المجتمعي على رفع مستوى الوعي والفهم بقضايا المجتمع، وتسهيل المناقشات حول قضايا المجتمع المحلي، ولتقديم الإلهام والاقتراحات لواضعي السياسات والجهات ذات الصلة المعنية. ولا تزال هناك حاجة إلى تعزيز المجتمعات وحماية حقها في امتلاك وإدارة وسائل الإعلام فيها.