نتعارف ونتصل ونتواصل ونتعلم ونُعَلّم وتزداد رقعة المعرفة بيننا، وينفع الناس بعضهم بعضاً، إلا أن ثمة اتصالاً خاطئاً ومُعَلّماً شريراً ومتعلماً عبيطاً، فيعم الخطأ ويتناسل الفهم الشر، فيتجذر الفهم الخطأ من معلم شرير وتابعين بلهاء مُغرّر بهم، ويتحول الاتصال بين الناس إلى خيط سري يغذي عقيدة الإقصاء والتكفير والتجهيل.
والسؤال الجدلي في تلك المدن العربية التي تُعدّ مهداً للحضارة وأصبحت مرتعاً للإرهاب والتطرف، هل النفايات الآدمية المتطرفة في تلك المدن هي من قاد بلادها إلى الحروب والاقتتال والتدمير أم هي المؤامرات الخارجية، وهل الاتصال الصحيح بالمضمون الخاطئ باستخدام تكنولوجيا المعلومات أسهم في استنبات الشر والتطرف؟
أم هو الفقر، أم هو الجهل، أم هو الظلم؟ في غياب السلطة ذات الحكم الرشيد، والفشل في مشاريع التنمية، يأتي التطرف فلا يبقِ من الأطلال إلا رمادها، ومن الحضارة إلا بقاياها، وتنهار السلطة، ويغيب اتصال المعرفة، ويعلو الموت في كل مكان.
«النصرة»، «داعش»، «القاعدة»، وأخواتهن، يتكاثرن تحت شعارات تعزف على وتر الخلاص من المستعمر الكافر أو وكيله في الوطن. فكل من خالف بالرأي حق عليه «القتل الحلال»، غدا السيف وسيلة التواصل الفعالة، أما تويتر والفيسبوك وغيرها، ما هي إلا أدوات استقطاب لمزيد من الانتحاريين والأغبياء المغرّر بهم، وقاطعي الرؤوس قساة بالقلوب وآكليها.
إن الاتصال المعرفي المعتدل يمكن أن يُعَطّل اتصال ثقافة الموت والعنف! وإذا كان الاتصال هو حاجة الإنسان إلى مُعتَقَد يطمئن إليه في تحقيق ذاته ويبلور دوره في مجتمعاته، فلا بد أن تعمل الدولة أياً كانت على إيجاد التنمية والعدالة الاجتماعية. ويبدو أن الاتصال في الدول الفاشلة مستحيلا في ظل غياب الثقة، فيختلط الصدق بالكذب، والمؤامرة بالاتفاق، ودم الضحية بدم القاتل.
هذه الدول الفاشلة يتم توظيف تقنية الاتصال والتواصل فيها لإنجاز المؤامرات ونفث الإشاعات والإشاعات المضادة، وسريعة في إنجاز الاتصال بالمضمون الفوضوي، إلا أنها بيروقراطية في ما يخص إنجاز مصالح شعوبها. لقد أصابنا الغثيان من أولئك الذين يتشدقون بالماضي والتاريخ، ليس فقط لدثر عجزهم في مواكبة التقدم، بل في إظهار أن مسيرات التقدم في البلدان الحديثة والصغيرة، هي فقاعات عابرة لن تصمد في وجه المتغيرات.
لقد أثبتت هذه البلدان الحديثة أنها لم تقف في وجه المتغيرات والعواصف الاقتصادية والسياسية فحسب، بل ساهمت في التغيير الاقتصادي والسياسي العالمي والإقليمي لمصلحة شعوبها.
واستخدمت الاتصال بمفهومه المؤسسي والدولي والدبلوماسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي والسياحي الدولي، لتتبوأ مكانة دولية ذات هوية وشخصية واضحة المعالم تعتمد تنمية البشر أولاً والمعمار ثانياً، كما أنها تعتمد الاعتزاز بالتاريخ وركوب «خيل التنمية والتقدم» في مضماره العالمي، حيث التنافسية محتدمة، وحيث إن لا مكان للمتراخين، وأن عجلة التنمية لا تحتمل السكون أو التراخي، فذلك يعني حتماً التراجع بين الأمم.
وهذه دولة الإمارات بنهضتها تعد نموذجاً على أكثر من صعيد قطعت شوطاً قياسياً في بناء الإنسان المعرفي والمتعلم، المتصل والمتواصل في مجتمع نشط تحكمه عقيدة الحوار بين الثقافات والتسامح بين البشر وتَقبّل الآخر أياً كان في إطار القيم الإنسانية، بلد يحكمه القانون ويؤطر أعماله.
أصبحت دولة الإمارات ليس نموذجاً يحتذى فحسب، وإنما هي واجهة أمينة وآمنة تظهر للعالم أجمع بأن للعرب والمسلمين فضائل وشمائل تفيض على القاصي والداني والمقيم بالخير والعلم والمنفعة المشتركة.
قال أحدهم، وهو من الدول الآسيوية المستقرة ويقطن العاصمة أبوظبي منذ سنوات: استطعت هنا أن أوفر التعليم المتقدم لأبنائي، ومارست طقوسي الدينية دون قيود، وهواياتي، واستمتعت بإجازاتي الأسبوعية، وبمساءاتي، وكونت صداقاتي، ونجحت بأعمالي، سأبقى هنا أطول وقت ممكن؛ انه الاتصال الحيوي بين الناس الذي يعطي للمدن معانيها العميقة ويرسم ذاكرتها، وكذلك هي علاقة تبث حولنا روح المكان الآمن الذي نحيا به ويحيا بأهله وقاطنيه وزواره.