منذ أن ظهرت جماعات التوظيف السياسي للإسلام، المعروفة بجماعات الإسلام السياسي، وأوروبا تقدم لهم ملاذات آمنة، بعد أن تلفظهم أوطانهم، أو يهربون من حكم القانون ضدهم فيها، فقد استضافت ألمانيا منذ خمسينيات القرن الماضي، العديد من قيادات جماعة الإخوان المسلمين.

كذلك فعلت سويسرا، واستضافت يوسف ندا الذي يمثل خزينة الإخوان ومستثمر أموال التنظيم، ومسؤول العلاقات الدولية فيه، وكانت بريطانيا عاصمة الإخوان في الغرب، حيث للتنظيم حضور قوي في قلب لندن، وللجماعة وجود في مختلف القطاعات، وكانت فرنسا قبلة إخوان تونس والجزائر والمغرب.

جميع الهاربين من أوطانهم تمتعوا بحرية العيش والعمل والتخطيط في أوروبا.

حينها، كانت أوروبا تقدم نفسها على أنها حامية حقوق الإنسان، وملاذ المضطهدين والمطرودين، لذلك استغلت هذه الحركات هذه البيئة لتقوم بإنشاء أضخم شبكة من المؤسسات والمراكز التي تفرخ الإرهابيين، فتحولت بريطانيا إلى مقر لأنشطة الإخوان المعادية للدول العربية والإسلامية، وفيها تأسست مراكز أبحاث مثل مركز الفكر الإسلامي الذي يقوده الإخواني، عضو حركة حماس، عزام التميمي، الذي يدعو صراحة إلى إسقاط دول الخليج والاستيلاء على ثرواتها.

قدمت أوروبا ملاذاً آمناً لرموز الإسلام السياسي ومنظريه، كما وفَّرت دولها المناخ المناسب، الذي انتعشت فيه جماعات التطرف والتشدد ودعاة الكراهية والتحريض على العنف واستئصال الآخر، بما فيهم الأوروبيون، وشاهدنا كيف اخترقت تلك الجماعات المؤسسات الأكاديمية ومنظمات المجتمع المدني، بل وبرلمانات بعض تلك الدول!.

كما شاهدنا مسيرات التحريض في شوارع لندن، والتي تنادي بإقامة الخلافة الإسلامية في بريطانيا!، ومن أبرز هؤلاء أنجم شودري، الذي كان يجوب شوارع لندن منادياً بإسقاط مملكة الكفر، وإقامة الخلافة وتطبيق الشريعة الإسلامية؟.

كل ذلك كان يتم في ظل صمت غريب، دون الانتباه لما تمثله تلك الجماعات من تهديد حقيقي لمنظومة القيم الغربية، طالما أن التهديد الحقيقي كان موجهاً لدول جنوب المتوسط، التي جاء منها هؤلاء، وقد أدى ذلك الوضع، إلى أن استطاعت تلك الجماعات استغلال الحريات وحقوق الإنسان.

كمنفذ للحصول على الرعاية والعمل لتنفيذ أجنداتهم الخفية، وبتوظيف دعوى حقوق الإنسان وكفالة الحريات، غضت أوروبا الطرف عن خطاب التشدد والكراهية، الذي كان يبثه أولئك الدعاة، ظناً منها أن ذلك الخطاب سيقف عن حدود حديقة الهايدبارك، حيث حرية التعبير مكفولة للجميع، وحيث ينتهى كل شيء بمجرد التعبير عن الرأي.

وعلى الرغم من أن تحذيرات كثيرة وجهت للسلطات في أوروبا من خطورة توفير تلك الملاذات الآمنة لتلك الجماعات وقياداتها، إلا أن الدول الأوربية لم تلتفت إلى خطورة هذه الدعوات المتكررة للكراهية والعنف، لأن أفعال هؤلاء الإسلاميين كانت قاصرة على تدمير بلدانهم ومجتمعاتهم، ولكن بعد أن بدأت أوروبا تتجرع من الكأس نفسها، وتذوق مرارة فقدان الأرواح البريئة التي يتقن هؤلاء المجرمون المتمسحون بالدين، قتلها بأبشع الصور.

بعد أن بدأت التفجيرات وعمليات الدهس والطعن تطال الأبرياء الآمنين في الطرقات وقاعات الموسيقى، ووسائل المواصلات، هنا فقط، بدأت هذه الدول تستيقظ على كابوس فظيع، أشعرها أن الأمن الذي كان أهم حاجات الإنسان الغربي، بدأ يفتقد على يد أشخاص قدمت لهم المجتمعات الغربية الملجأ والمأوى والإعانات والصحة والتعليم، وفي النهاية، مارسوا فيها القتل العبثي، لأسباب عبثية، لأهداف عبثية.

وقد جاءت التصريحات الأخيرة لرئيسة الوزراء البريطانية، تيريزا ماي، لتكشف عن صحوة متأخرة لما يرتكبه المتطرفون والإرهابيون من جرائم بشعة، واعترفت فيها بأن تساهل السلطات مع خطاب الكراهية، تم استغلاله من الإرهابيين للقيام بأعمال إجرامية ضد المدنيين الأبرياء، وبصورة وحشية.

ولعل هذا التصريح الأخير والأهم لرئيسة الوزراء البريطانية، والذي جاء فيه: أن منظمات حقوق الإنسان لن تمنعها من اتخاذ إجراءات صارمة لمواجهة المتطرفين والإرهابيين، هنا، لم تعد حقوق الإنسان بذات القدسية التي كانت عليها، حين كان إرهاب الجماعات المتطرفة يمارس خارج حدود أوروبا.

هذه التداعيات الخطيرة للتساهل تجاه خطاب التحريض والكراهية، تستدعي تشريعات دولية لتجريم مثل هذا الخطاب، ومحاكمة مروجيه ودعاته، وهنا، يجب أن يتم وضع علاقة دقيقة وواضحة بين حقوق الإنسان التي يجب المحافظة على قدسيتها، وبين حماية حياة الإنسان وأمن المجتمع واستقراره، التي هي أهم حق من حقوق الإنسان، ويمكن أن تتم الاستفادة من النموذج الذي تبنته دولة الإمارات في حزمها وجديتها في سن التشريعات لمواجهة خطاب الكراهية وازدراء الأديان، الذي صدر في قانون مكافحة خطاب الكراهية وتجريمه في 2015.