انتشرت وسائل الاتصال لتصبح متاحة للجميع ومع انتشار الهواتف المحمولة الذكية والإنترنت أصبح بإمكاننا أن نتواصل مع من انقطعت به الصلة، ونتعرف على وجوه جديدة عبر استخدامنا لوسائل التواصل الاجتماعي مثل "فيسبوك" و"واتساب" و"سكايب" والرسائل القصيرة "إس إم إس" و"تويتر" و"إنستغرام".
يبقى التساؤل قائماً هل نحن حقاً باستخدامنا لأشكال التواصل الاجتماعية نحقق فعلاً ما يمكن أن نسميه تواصلاً اجتماعياً أو ثقافياً حقيقياً؟
إن من يتابع اليوم صفحات فيسبوك على سبيل المثال سوف يجد أن التواصل لا يعدو كونه متابعات عابرة لأصدقاء حقيقيين أو مفترضين.
الصفحات التي نتابعها نجد أنها تمثل أشكالاً من المجاملات العابرة لما يضعه الأفراد على صفحاتهم مثل صورة جديدة أو كلمات أو خواطر لا تغني العلاقات الإنسانية ولا الثقافية، ومعظم ما نجده هو ضغط المرء على إشارة أعجبني (لايكLike ) وكأن هذه الإعجابات هي مقياس التواصل الاجتماعي.
وكذلك حينما يتم طرح موضوعات أو أفكار جدية أو مقالات مطروحة فقليلاً ما نجد أنها تلقى مناقشات جادة أو تأييدها بالمشاركة (share) وفي أغلب الأحوال يتم الاكتفاء بالمرور على مثل هذه الصفحات ووضع إشارة (لايكLike ) كنوع من المجاملة.
حينما نمر على "تويتر"، ونتابع بعض الموضوعات الجادة التي تطرح قضايا الأمة فإنه يفاجئنا مدى الإسفاف الذي يتم فيه التعليق على هذه القضايا، ويفاجئنا كذلك بذاءة اللغة والشتائم التي تنصب على المخالفين في الرأي ناهيك عن رداءة اللغة والأخطاء الإملائية أو الكتابة باللهجات المحلية.
فهي منابر من المفترض أن تكون مجالاً خصباً للحوار والتفاعل بين الرأي والرأي الآخر، ولكنها أصبحت مجالاً لتكفير الآخرين المخالفين للرأي وتخوينهم بدلاً من مناقشتهم بإيراد الحقائق التي تفند آراء المخالفين.
ولو انتقلنا إلى "واتساب" المنصة الاتصالية الأكثر استخداماً فإننا نجدها باتت جزءاً من مجاملات لا تحقق التواصل الحقيقي بين الأفراد.
لقد صارت الآن هي مجرد تحويل رسائل من شخص إلى أشخاص عديدين لتعود الرسالة نفسها مرة أخرى إلى مرسلها.
في الأعياد تصل صور المعايدات المزينة بالورود أو الفيديوهات ولكنها لا تحمل معها أي بصمة شخصية لصاحبها، وهكذا تصبح هذه الرسائل وكأنها خالية من المصدر والطابع الحميم لمرسلها، ولا يعدو الأمر عن مجاملات ما كان لها أن تتحقق لو لم تكن مجانية.
لنتخيل لو أن الواتس أب لم يعد مجانياً وأصبح مثل الرسائل القصيرة (SMS أو MMS) المدفوعة الثمن، فهل سيظل الذين يراسلوننا يقومون بإرسال رسائلهم إلينا أم أنهم سيتوقفون عن ذلك وينسون كل الأصدقاء الذين كانوا يراسلونهم على "واتساب"؟
المسألة الأخرى الأكثر أهمية مرتبطة بتداول المعلومات، حيث إن الكثير من الرسائل التي تحمل بيانات أو معلومات سياسية أو طبية ويتم توزيعها ليست دقيقة، وبعضها من صنع أجهزة دعائية وجهات غير معروفة يتم تداولها وكأنها حقيقية. حتى تلك الفيديوهات التي تصلنا والصور فإن كثيراً منها ما يكون مفبركاً وتنتشر بين الناس وتصبح مجال الحديث للتداول وكأنها حقيقية.
التواصل الاجتماعي الفعّال ليس هو التواصل الإلكتروني الذي يمارسه الكثير منا.
لكّنه محاولة من التفاعل للاقتراب من الآخرين بحميمية وود معهم، وهو محاولة قول شيء خاص أو تمرير معلومات ذات قيمة وموثوقة، ولذا فإن التساؤل يظل قائماً هل نحن نتواصل حقاً أم أننا نلهو مع وسائل التواصل الاجتماعي؟