مع كل شكل جديد من أشكال الاتصال تظهر على السطح ملابسات جديدة، وتصاحبه تساؤلات كثيرة تتعلق بمدى الاختلاف بينه وبين ما هو قائم من نماذج وأشكال اتصالية، وكذلك الوظائف المنوط القيام بها، ونوعيتها، ومدى حاجة الجماهير لها، وقبل ذلك وبعد ذلك التأثيرات المتوقعة من هذا الوافد الجديد، والإضافة التي يقدمها إلى المنظومة الاتصالية القائمة.
والسؤال القديم المتجدد دائما هو مدى تأثير الوسيلة الجديدة على الوسائل القائمة؟ وهل ستحل محلها وتكون بديلاً عنها، أم أنها ستدعم وظائفها وتضيف إليها؟ هذه التساؤلات ظهرت مع ظهور الراديو والتوجس من الدور الذي سيلعبه بالنسبة إلى الصحافة المكتوبة، بعدما استطاع أن يمتد بجمهوره إلى قطاع واسع من غير القادرين على القراءة والكتابة.
وهي ذات الأسئلة التي صاحبت ظهور التليفزيون وتأثيره على ما سبقه من وسائل اتصال من سينما وراديو، بعد أن أصبحت الأفلام والمسرحيات تشاهد دون عناء النزول إلى دور العرض، وأضيفت الصورة إلى سحر الصوت، فكيف سيكون حال الراديو مع هذا التحدي الكبير والجديد.
وعلى الرغم من أنه لم تستطع وسيلة ما القضاء على الأخرى إلا أن الثابت أنها اقتطعت جزءاً معتبراً من جمهور غيرها من الوسائل، الذي وزع وقته بينها. غير أن هذه الأسئلة اختلفت قليلاً مع ظهور وسائل الإعلام الجديد، التي تتم عبر أدوات وشبكات التواصل الاجتماعي، والتي حولت الفرد من متلقٍ للرسالة الإعلامية إلى متفاعل معها وصانع لها.
حيث أتاحت، وسائل التواصل الاجتماعي أو أدوات الإعلام الجديد وأقنيته، للفرد إمكانية مشاركة غيره للمضامين التي ينتجها، وكذلك أصبح من المتاح له أن يعرضها عبر قنوات يوتيوب، وهو الأمر الذي لم يكن متاحاً من قبل، كما أتاحت للموضوعات والمشاهد التي يقوم بتصويرها ونشرها أن يراها المئات غيره، زاد في الأمر إنتاجات هؤلاء الأفراد، الذين أصبحوا يلقبون «بالمواطن الصحفي».
وهو اللقب الذي يعني أن هذه المهنة أصبحت متاحة لكل من يستطيع أن يتعامل مع تلك الوسائل الجديدة، ويجد أن هناك مضموناً معيناً يرى أنه جدير بالمشاهدة والاطلاع، زاد أن أصبح لتلك المضامين التي يتم إنتاجها فردياً مكاناً على تلك الوسائل الرسمية، بل أصبح لها جمهور عريض.
كما أفردت المؤسسات الإعلامية الرسمية برامج خاصة متعلقة بتلك النوعية الجديدة من المضامين التي ينتجها «الصحفي المواطن»، وأثرت تلك الوسائل بمضامينها على المؤسسات الإعلامية التقليدية، وباتت تحدد إلى حد ما أولويات القضايا الجديرة بالمتابعة.
وعلى الرغم من النجاحات الظاهرية التي بدأت مع تلك الوسائل إلا أن كثيراً من الإشكاليات تنامت مع مستخدميها «الصحفي المواطن»، منها طبيعة المضامين التي ينتجها هذا الجيل الجديد من الإعلاميين، حيث إن المضمون الذي ينتجه «الصحفي المواطن» قائم على قرار فردي، هو الذي اتخذه بناء على تقدير ذاتي.
كما أن طريقة تناول الحدث والزاوية التي يتناوله منها لا تتحدد بالمحددات التي تحيط بوسائل الإعلام الرسمية، والتي لا يجد الصحفي الرسمي بدا من الالتزام بها، وإلا فإنه قد خرق قواعد المهنة، فضلاً عن السياسة الإعلامية للوسيلة ذاتها.
وهو الأمر الذي جعلنا نرى كثيراً من الممارسات الخالية من القواعد المهنية أو المحددات الخلافية التي يمكن أن تجعلها صادمة في كثير من الأحيان، ورغم أنها تحقق أحياناً أرقاماً كبيرة في عدد المشاهدة والاطلاع ولكن ذلك لا يعني رضا الجمهور عنها أو الإعجاب بها، وهو الأمر الذي جعل هذه الوسائل تفقد كل يوم جزءاً كبيراً من جمهورها الذي أعجب بما يراه من خلالها، لكن الممارسات غير المنضبطة، بقواعد مهنية حاكمة من ناحية.
وكذلك المصداقية المشكوك فيها من ناحية أخرى، جعل من هذه الوسائل نافذة يمكن النظر من خلالها أحياناً، لكن يكون الرجوع إلى المؤسسة الإعلامية الرسمية بين الحين والآخر للتأكد من مصداقية ما يتم نشره عبر وسائل الإعلام الجديد.
ولا شك أن الممارسات الخاطئة والصور المجتزئة للوسائل الجديدة هو الذي يعطي كل يوم أسباب الحياة للوسائل الرسمية، كما أن منها من استطاع أن يستفيد من وسائل الإعلام الجديد مع التمسك بالقواعد المهنية والأسس الأخلاقية للمهنة.
إن الصحافيين الجدد، وبالرغم مما قاموا به من حالة أربكت أحياناً المؤسسات التقليدية للإعلام وغيرت من طبيعة الموضوعات وأشكال تناولها، يجب ألا يتم تركهم دون سياج أخلاقي للممارسة وأن يتم وضع قواعد مهنية لهذا الوافد والممارس الإعلامي الجديد، حتى لا يؤدي إلى تشويش في التعامل مع الوسيلة وطبيعة المضمون المقدم، لأن الجمهور هو الضحية دائماً.