نستذكر في هذا اليوم، السابع من أكتوبر المغفور له الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، طيب الله ثراه. وهذا العام صادف كذلك مرور 60 عاماً على توليه الحكم في إمارة دبي، حيث تم تنصيبه في الرابع من أكتوبر من عام 1958. وقد أحسنت هيئة الثقافة والفنون في دبي صنعاً، عندما أصدرت بهذه المناسبة، كتاباً توثيقياً بعنوان "راشد.. قائدٌ استشرف المستقبل". ومثل هذه الإصدارات، مهمة للغاية؛ لأنها توثّق مسيرة العظماء، والذين إذا ذُكروا، كان الشيخ راشد في مقدمتهم. كما أن في مثل هذه الكتب، توثيقاً لمسيرة القادة الكبار، وفيها من الدروس الملهمة الكثير.
قصة الشيخ راشد، ملحمة رائعة، تتلخص في بناء وطن، وتشييد نهضة، أساسها رؤية استثنائية للقيادة والإدارة، ثم عزيمة قوية لتحقيق الرؤية، وإرادة صلبة لمواجهة التحدي وتحقيق الإنجاز.
لم تعرف أعوام حكمه الممتدة من 1958 إلى 1990 تردداً في اتخاذ القرار السابق لعصره، وأخذ المخاطرة المحسوبة، بل كانت مسيرة رائعة، شهدت ملحمة أسطورية في البناء والتشييد والعمران، حافلة بالتحديات الجسام، والتي استطاع أن يحولها بعزيمته القوية، وجهوده الجبّارة، ومثابرته منقطعة النظير، إلى فرص واعدة، حققت للإمارة ولدولة الإمارات العربية المتحدة، على حد سواء، مكانة دولية، وسمعة راقية، يشهد لها العالم بأسره. وخلف كل إنجاز بدأه راشد في أواخر خمسينيات القرن الماضي وستينياته، وسبعينياته، قصة مثيرة، فمن تعميق خور دبي - والذي لم تتوافر تكلفته - إلى بناء الموانئ العالمية، وبناء أول منطقة حرة في العالم (جبل علي)، إلى إكمال البنية الأساسية، والمرافق الحيوية، والتي أنجزها في فترة قياسية، مع شح الموارد والأموال، والخبرات الفنية، وفي كل تلك المشروعات المنجزة، أثبت راشد وبشكل عملي، أنه لا مستحيل مع وجود الرؤية والتخطيط الجيد والمتابعة الحسنة للتنفيذ.
كما كان رحمه الله، استثنائياً في منهجه في الإدارة، فهو من رواد سياسة الباب المفتوح، ومجلسه الذي كان يقصده أهل الخبرة، والتجار ورجال الأعمال، يطرح فيه القضايا للنقاش، ويستمع إلى الآراء المختلفة، ثم يتخذ القرار المناسب. وهو الذي أدرك أهمية الدور الذي يؤديه التجار ورجال الأعمال، وقد انعكس ذلك على التشريعات والقوانين التي كانت عامل جذب مهماً للاستثمار في البلد، وآمن بأن القطاع الخاص شريك مهم في التنمية، وبذلك تحقق الازدهار، وأصبحت دبي، بفضل تلك الرؤية، بيئة جاذبة للزيارة والسياحة والاستثمار.
ولعل أعظم إنجاز قام به الشيخ الجليل راشد رحمه الله، كان مع أخيه الراحل الكبير، الوالد المؤسس الشيخ زايد طيب الله ثراه، وهو تحويل حلم الكيان الاتحادي الواحد إلى واقع ملموس، بل تجربة وحدوية استثنائية ناجحة في منطقتنا العربية. وقد بدآ بتأسيس كيان هذه الدولة عام 1968 ولم يهنئا حتى تحقق ذلك الحلم الكبير في الثاني من ديسمبر عام 1971. لتنطلق بعد ذلك اليوم المشهود عجلة التنمية، لتبني نهضة عربية راقية، هي مدعاة للفخر والاعتزاز. وما ينعم به المواطنون والمقيمون في هذا الوطن العزيز، من رخاء، واستقرار، وتنمية، وسعادة، ما كان ليتحقق إلا بفضل الله سبحانه وتعالى، ثم بفضل هذين القائدين الفذين اللذين سطّرا أروع ملاحم البناء والإنجاز في عصرنا الحديث.
رحم الله الشيخ راشد، ورحم الآباء المؤسسين وأثابهم عنا خير الجزاء.
* كاتب إماراتي