في بداية الألفية الثالثة بدأ في التحضير الفعلي في دوائر صنع القرار الأمريكي لما يسمى بالشرق الأوسط الجديد.

كانت الخطة ترمي إلى إعادة رسم خارطة المنطقة بواسطة إحلال لاعبين جدد عوضاً عن اللاعبين الكلاسيكيين وبالتالي خلق شرق أوسطاغير معادٍ للمصالح الأمريكية ومصالح حلفائها في المنطقة.

الشرق الأوسط الجديد يحمل طابعاً مختلفاً ويخلق قوى غير اعتيادية قد تكون صغيرة ولكنها مؤثرة على الساحة الدولية.

وبما أن المشروع أمريكياً فقد هدف إلى إبعاد كافة القوى العظمى وجعل المنطقة بأسرها منطقة نفوذ أمريكي. البعض اعتبر مشروع الشرق الأوسط الكبير مخططاً أمريكياً للسيطرة على مناطق النفط في المنطقة.

فدول المنطقة تنتج معظم الإنتاج العالمي من النفط وتحتفظ بمعظم احتياطيات النفط العالمي. وعلى الرغم من أهمية النفط فإن ما تهدف له الولايات المتحدة فعلياً ويدفعها نحو التغير في الشرق الأوسط هو جعل المنطقة آمنة للمصالح الأمريكية ومصالح حلفائها.

كما أن هذا المشروع مرتبط أيضا بمواقف الولايات المتحدة من بعض القوى الإقليمية، سواء المعادية لها أو المرتبطة معها بمصالح جيوسياسية واقتصادية. فخلق كيانات جديدة تهدف إلى جعل منطقة الشرق الأوسط أكثر تقبلاً للنفوذ الأمريكي وأكثر تقبلاً للأفكار الواردة مع ذلك النفوذ.

وفي الحقيقة، فإن هذا التغير في العرف الأمريكي لن يكون سهلاً بدون خلخلة الأوضاع العامة برمتها ومن الأساس تمهيداً لخلق كيانات جديدة موالية للنفوذ الأمريكي.

وتم بالفعل في الفترة ما بين بداية الألفية وحتى انتهاء العقد الأول منه رسم تلك الخريطة وما تبعها من آثار وما أثارته من حروب ونزاعات أدمت منطقة الشرق الأوسط. وما إن انتهى العقد الأول وبدأ العقد الثاني حتى بانت بوضوح ملامح الخريطة الجديدة.

فثورات ما يسمى بالربيع العربي أفرزت عن قلاقل وأنظمة جديدة. كما تضاءل في هذه الفترة دور قوى إقليمية عظمى وبرز دور دول أخرى حتى بات الشرق الأوسط الجديد يوشك أن يصبح «الشرق الأوسط المريض».

فقد أسفرت أحداث تلك الفترة عن ضمور بعض القوى وبروز قوى صغيرة، كما أفرزت تبعات تلك الأحداث عن ظهور شرق أوسط عليل يعاني من أسقام وعلل مستعصية كالفساد والفقر وارتفاع معدلات البطالة وغياب الشفافية وغيرها من الأمراض التي من شأنها أن تجعل أي منطقة تفقد أدنى مقومات الحياة والسعادة والأمل بمستقبل أفضل.

وعلى الرغم من دوره التاريخي واحتضانه لمعظم الحضارات الإنسانية ،إلا أن الشرق الأوسط وضعفه وتفككه أدى إلى وقوعه فريسة سهلة للتدخلات الأجنبية والإقليمية التي سرعان ما عاثت في أرضه فساداً وجعلته غنيمة سهلة لمصالحها، واتخذت منه مادة سهلة لكي تعيد صياغة خارطة جديدة تتناسب مع مصالح كل فئة منهم.

وبما أن مشروع الشرق الأوسط لا يزال مشروعاً حيوياً بالنسبة للمصالح الأمريكية، فهذا يعني بأن الإدارة الأمريكية لن تتخلى بسهولة عن حلمها في خلق منطقة محايدة لمصالحها في هذه المنطقة الحيوية من العالم. فالثقل الذي يتمتع به الشرق الأوسط ليس ثقلاً عادياً، بل ثقلاً يعود لعدة قرون ويعتمد على عوامل تاريخية وحضارية واقتصادية وجيوسياسية.

ولهذا فإن أي تغير يلحق به سوف لن يكون تغيراً عادياً، بل تغيراً مصيرياً بالنسبة لشعوب المنطقة وبالنسبة للعالم.

فالخارطة الجديدة التي سوف ينتج عنها مشروع الشرق الأوسط الجديد سوف تكون خارطة مصيرية بالنسبة لدول المنطقة لأنها سوف تعلن انتهاء دور دول تقليدية كبرى وبدء أدوار جديدة لدول أخرى.

وهذا التغير ليس فقط تغيراً جيوسياسياً، بل تغيراً سوف ينعكس على مكونات المجتمع وأطيافه لأنه سوف يحرك مكونات المجتمع من الأساس وينكئ كل الجروح.

وما الحروب الأهلية التي شهدتها وسوف تظل تشهدها المنطقة وتلك القلاقل التي تهدد الأمن والسلم الداخلي في دول الشرق الأوسط إلا علامات مباشرة على التدخل الأجنبي الذي يستهدف رسم خريطة جديدة للشرق الأوسط.

إن خطة خلق شرق أوسط جديد لن تكون خطة عادية، بل سوف تقلب ميزان القوى في المنطقة وتقلب الأوضاع العامة رأساً على عقب. فليس من السهل على شعوب خلقت على يديها الحضارة أن تعود إلى نقطة الصفر من جديد، وحتى وإن بدا ذلك ممكناً.

فقد علمنا التاريخ أن صفقات السياسة قد تنجح مع الأنظمة ولكن ليس مع الشعوب.