مع ازدهار صناعة الطابعات الورقية، وازدهار حقول كثيرة مرتبطة بهذا التطور، كان لابد من زيادة في الطلب على الورق، إذ إن هذه الصناعة مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بشجر الأوكاليبتوس التي توفر العجينة الخاصة بصناعة الورق، ومع الاستنزاف الجائر لغابات الأوكاليبتوس، نتيجة لزيادة الطلب على الورق، أدى ذلك إلى تصحر مساحات شاسعة من الغابات في مناطق كثيرة في أصقاع العالم، مما أدى بدوره إلى انخفاض مستويات الأوكسيجين، وزيادة نسبة الكربون وزيادة الحرارة في المناخ العام للأرض.

وقد أخذت العديد من المنظمات الدولية، وعلى رأسها منظمة الأمم المتحدة، على عاتقها مهمة التصدي لهذه الظاهرة، في سياق أهداف التنمية المستدامة وضمن غايات مشاريعها ومساعيها، ومن تلك التدابير التي تم الاحتراس بها عن مغبة الاستنزاف للأوكاليبتوس ما يحدث الآن من تحولات في العالم على كافة الأصعدة، بناء على ما يفرضه عصر المعرفة واقتصادياته، ومن ذلك التحول نحو العملات الرقمية كبديل عن العملات الورقية، وذلك من خلال التطور الملحوظ والمتزايد كل يوم في حقول الذكاء الاصطناعي وأهمها المحفظة الإلكترونية، تطبيق البلوكتشين نموذجاً، وصار في هاجس كل دولة أن يكون لها عملتها الرقمية الخاصة مواكبة للتحول، فهذا لا يحدث من قبيل العبث أو من قبيل التقليعات والتزامها، كما يشيع أحياناً في حقول الملابس أو أشكال الحلاقة، ورغم أن ثمة مساوئ للعملات الرقمية والمحافظ الإلكترونية تضاهي إيجابياتها وملامحها، مثل اختفاء التزوير والرشوات وغير ذلك من مظاهر الاقتصاد الأسود، ومنها أي من تلك المساوئ التي تضاهي إيجابياتها اختفاء الوسيط أو الطرف الثالث في التعاملات المالية، أي اختفاء أي طريقة تتبع مصدر الأموال وإلى أين تذهب.

وهنا ستزدهر العمليات الإرهابية في العالم، بدون خيوط تتبع لمصادر تمويل الإرهاب بشكل عام في العالم بأسره، كما حدث في تفجيرات باريس منذ مدة.

هذه الشبكات تصنف كنوع ثالث من الشبكات المعروفة (شبكات عامة وشبكات خاصة وشبكات مظلمة)، ورغم هذا السوء الذي يعتري هذه الشبكات المظلمة، إلا أنه يعتبر حلاً أفضل من تداعي المناخ وزيادة الحرارة التي من شأنها أن تفسد حياة الكائن البشري تماماً، وتهدد وجوده على هذه المعمورة؟

أليس في هذا ما يدعو التأمل والتصديق بأن التحول الرقمي لدى المطبوعات هو نتيجة وعي القائمين عليها بخطورة استنزاف غابات شجرة الأوكاليبتوس لإشباع جوع الطابعات واستجابة لنداء المنظمات العالمية في سياق غايات التنمية المستدامة وأدوات تحقيقها؟ وأليس في نشر الكتب والوثائق والأبحاث الرقمي وسيلة أفضل تحد من ظاهرة الاحتباس الحراري وزيادة الكربون والنيتروجين بشكل يفوق أضعاف نسبة الأوكسيجين في الهواء الذي يتنفسه الإنسان؟!

قد نكون غافلين عن متطلبات أهداف التنمية المستدامة التي اتفق عليها العالم تحت مظلة الأمم المتحدة.

هذه الأهداف وفي هذه المرحلة من الزمن اختيارية لكل بلد أن تطبقها أو تتبنى شروطها أو مواصفاتها، لكنها ستتحول إلى متطلبات رئيسية للدول لتطبيقها منها على سبيل المثال التحول الاقتصادي لاقتصاد مستدام ولو تحدثنا بالتخصيص مثلاً حفظ نسبة الانبعاثات الكربونية لكل بلد.

هذه النقطة الآن هي نقطة مهمة للحفاظ على البيئة ونقاء الجو والمنظومة الطبيعية للغابات والأنهار والبحار.

الوصول لتخفيض الانبعاث الحراري لأية دولة هو منظومة داخل منظومة لأنه قد يعني لدول تعتمد على الصناعات النفطية أن تنوع من اقتصادها أو تقلل من اعتمادها على النفط العضوي كما يقال عليه وتعتمد على مصادر أخرى لدعم اقتصاده الكلي أو الجزئي.

وهنا أيضاً أهداف أخرى للتنمية المستدامة مثل التعليم والماء والعدالة الاجتماعية.

مفاد القول إن ثمة تحولاً معرفياً على نطاق واسع في حقول عديدة في الصناعات والأعمال التقليدية نحو الصناعات الرقمية ولعل هذه التحولات ما ينبغي الوعي بها في هذه المرحلة أو مواكبتها. وللحديث بقية.