يتراجع حالياً، وبسرعة أكثر مما كان متوقعاً، الزخم الدولي الذي راحت أنقرة تحشد له منذ سنوات، لدعم موقفها في سوريا وليبيا، الذي قدمت له، عشرات المبررات والحجج، ولكن الإرهاصات التي كشفت عن نوايا أردوغان الحقيقية، جعلت العالم، وخاصة الاتحاد الأوروبي، يعيد النظر في المسألة برمتها.
فرنسا لم تدخل فجأة على خط الأزمة الليبية، فمنذ سقوط نظام معمر القذافي، ظلت فرنسا تقود الجهود الدولية لإرساء الأمن والاستقرار في إفريقيا بسبب مصالحها الاستراتيجية والقومية، وحين وصفت باريس التدخل التركي في ليبيا، الأسبوع الماضي، بـ«اللعبة الخطرة»، كانت تقصد فعلاً انكشاف المخطط التركي الذي ينتهج مسارات عدة ويتبع «تكتيك» جس النبض والمناورة والضغط والابتزاز والتهديد...!
مسارات أردوغان، في ليبيا، ليست سراً كما يعتقد البعض، فهو يؤكد في كل موقف أنه ذاهب إلى ليبيا لاستعادة حلم الامبراطورية العثمانية، سواء أكان ذلك حلماً حقيقياً يسعى لتحقيقه، أو كانت مجرد خطابات شعبوية تعيد له بعض شعبيته التي فقدها داخلياً، كذلك ينتج مساراً خطراً في إرسال الجماعات الإرهابية المرتزقة من سوريا إلى ليبيا، بكل وضوح، وعلى مرأى ومسمع من المجتمع الدولي.
يقايض أردوغان أيضاً، حكومة الإخوان في طرابلس بالدعم العسكري واللوجستي مقابل تنفيذ مذكرات التفاهم، المرفوضة دولياً، والتي تتيح له إقامة منطقة اقتصادية تمتد من شواطئ جنوب تركيا إلى شمال شرق ليبيا، لشق دهليز بحري يسمح له بنهب النفط والغاز في تلك المساحة البحرية التي اخترعها مع الإخوان.
إلى جانب ذلك، ترفع أنقرة ملف اللاجئين السوريين، في كل خطاب موجه إلى أوروبا، فيترك بعض الأوروبيين، وعلى وقع الابتزاز العلني المكشوف، يحسبون الحسابات، أولاً بأول، قبل مساندة فرنسا، التي قررت أخيراً كشف جميع أوراق أردوغان وسياساته الخطرة في المنطقة، فترى فرنسا، أن أردوغان سيعود مرة أخرى، لإنتاج لاجئين ليبيين، لغزو أوروبا وقرصها من خاصرتها الجنوبية الغربية.
بالطبع، فإن أردوغان، يضع نصب عينيه، وبطريقة أشبه بحركات الأطفال، مماحكة مصر والسعودية والإمارات، التي تدعم الجهود الفرنسية، وكذلك الألمانية لتنفيذ مخرجات مؤتمر برلين الجولي، وحظر نقل الأسلحة إلى ليبيا، وكذلك الجهود العربية الكثيرة، التي تجتمع لوقف النزيف في ليبيا وإرساء الأمن والسلام، بين الليبيين.
الانسحاب الفرنسي من عملية «حارس البحر» لحلف الناتو في المتوسط صفعة لم يستوعبها أردوغان، لكن الذي يخفيه، وكان شديد الحرص عليه، باستخدام المعلومات الاستخبارية التي يحصل عليها من الناتو، لاستهداف الفرقاطات الفرنسية وكل من يحاول مواجهة القرصان أردوغان في عرض البحر، قد تصبح ملفاً دولياً يبلغ درجة محاسبته عليه، حساباً عسيراً.
فرنسا لا تجامل، الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي أعلن في يناير 2020، أن أردوغان يخرق تعهداته بشأن نقل الأسلحة والميليشيات الإرهابية إلى ليبيا، ويعود الرئيس الفرنسي، يعلن قبل أيام أن النظام التركي يتحمل مسؤولية تاريخية وإجرامية في الأزمة الليبية، وأن الدور الذي تلعبه تركيا في ليبيا منافٍ للقوانين الدولية، ولمصالح الأوروبيين ودول المنطقة.
القلق الفرنسي الأوروبي، يتسارع حول أردوغان وأطماعه وتهديداته المختلفة في المنطقة، براً وبحراً، التي قد تصل إلى عمق المصالح الفرنسية في إفريقيا، باستخدام بوابة ليبيا، فتعلن فرنسا إطلاق تحالف دولي للقضاء على الإرهاب في منطقة القرن الأفريقي، وبلا تلكؤ، يتصل وزير الخارجية الفرنسي، جان إيف لودريان مع رئيس الحكومة الإخوانية في طرابلس ويؤكد رفض فرنسا التدخل الأجنبي في ليبيا، وضرورة وقف إطلاق النار وعودة المسار السياسي.
في هذا الصيف، وبسرعة غير متوقعة، تتساقط أوراق التوت، التي كان يزين بها أردوغان نواياه تجاه سوريا وليبيا والعراق واليمن، وتصبح فجأة، الشجرة العثمانية الخبيثة، وحيدة منعزلة عارية منبوذة تحت ضوء الشمس والحقيقة.