لقد فرض النظام المعرفي العالمي خارطة جديدة، تحدد أولويات جديدة للبشرية، تتعلق الكثير منها بالمنتجات الاستهلاكية، التي لم يتصور العالم الاستغناء عنها، وقد جاء هذا كنتيجة طبيعية لطبيعة أدوات النظام المعرفي وآلياته، ومن ذلك الاقتصاد القائم على المنتجات النفطية ومشتقاتها، وقد زادت ملامح هذه الخارطة الجديدة للمنتجات الاستهلاكية البديلة في الاتضاح مع هذا المنعطف الإجباري المتمثل في أزمة «كوفيد 19».

كان لا بد من انتقال سلس، وتداول مرن للمنتجات، لولا أن تلك السلاسة لم تكن لتتم بدون المرور في خط زمني طويل يمنح الناس التشبع الكامل بطبيعة المعطيات الجديدة، وبالتالي التكيف معها، لكن مع ما فرضته أزمة «كوفيد 19»، من تحول، كان يشبه الاعتساف الإجباري في عملية التحول نحو المنتجات الجديدة، وأهمها المنتجات النفطية ومشتقاتها، والتي فقدت قيمة وجودها، لفقدان الجدوى من استهلاكها، خصوصاً في ظل الجائحة العالمية.

قبل ذلك، ومنذ بدايات النظام المعرفي، التفت العالم إلى عدد من الأولويات، تجسّدت في الأهداف السبعة عشر لتحقيق التنمية المستدامة، وكان ضمن أولويات هذه الأهداف بدائل الطاقة، ورغم صعوبة استيعابه واستيعاب التحول، الذي يفرضه هذا البديل، إلا أنه كان هدفاً ربما مع الوقت الطويل تحقيقه، وقد بدا للبعض تحقيقه ضرباً من المحال لطبيعة الضرورة الاستهلاكية للنفط في العالم، والاحتياج الدائم له، تماماً كما الاحتياج اليومي المتكرر للغذاء والدواء، لولا أن ما حدث كان بمنأى عن الحسبان، كما أسلفت مع ما فرضته أزمة «كوفيد 19» من تحولات على نطاقات شاملة وكبيرة، منها إفقاد المنتجات النفطية ومشتقاتها قيمتها الوجودية وإفرازها خارج منظومة الاحتياجات الضرورية المتكررة في الحياة اليومية للإنسان، وبعد الخسارات الكبيرة في هذا القطاع، كان ثمة بديل جاهز في الانتظار ليحل محل المنتجات النفطية ومشتقاتها، وهو الطاقة النظيفة، واستبدال منتجات ما تحت الأرض بمنتجات ما فوقها فيما يتعلق بالطاقة، وهو ما تفرض وجوده أهداف التنمية المستدامة، وضرورات تحقيقها لتأمين هذا الكوكب مما يحدق به من كوارث، ولإنتاج النفط ومشتقاته سبب فيه، ما قد يجعل الحياة البشرية على سطحه ضرباً من المحال، وبسببها قد يهلك الجنس البشري، وجميع الكائنات التي تعيش معه على سطح الأرض، وتفنى.

هذا المأزق الذي وقعت فيه الكثير من الدول التي تعتمد على منتجات النفط ومشتقاته في رفد اقتصادها ودعمه، وما منيت به من خسارات فادحة، وتسببت فيه أزمة «كوفيد 19»، كان بالإمكان حدوثه في أوقات مستقبلية، لا يمكن التصدي لها ببدائل اقتصادية أخرى، مثلما يمكن ذلك الآن في ظل هذه الطامة التي شملت العالم بأكمله، ولم يستثنَ منها أحد. وبالمرونة وتفعيل آليات الاقتصاد المعرفي يمكن التصدي لهذه الأزمة، واستيعاب البدائل التي قد بدأت الكثير من الدول في الانطلاق من خلالها نحو الاقتصاد القائم على المعرفة ومنتجاتها، بشكل كلي وشامل، وذلك بما تحتويه من بدائل تشمل الطاقة ومنها بديل الطاقة الشمسية، وطاقة الرياح، وطاقة الأمواج البحرية، وبديل الطاقة المنتجة من سدود المياه، وفي مواد توصيل الطاقة يوجد بديل الجرافين الذي قد يحدث نقلة عظيمة في هذا السياق. كل ذلك وغيره من البدائل يمكن الاستثمار فيها وتحقيق نجاحات غير عادية في سياقاتها، والانخراط من ثم في ركب تحقيق الإنجازات والطموحات التي تسعى إليها الإنسانية، من رفاه وازدهار ورخاء، وحياة مؤمنة من المخاطر على سطح هذا الكوكب. وللحديث بقية.

*خبيرة اقتصاد معرفي