انشغل العالم خلال الأسابيع الماضية بالسفينة الجانحة في قناة السويس، وكيف لهذه السفينة أن تعطل حركة مرور السفن التجارية في واحد من أهم المضائق والممرات البحرية في العالم، وكيف تتسبب هذه السفينة بتعطيل الحركة التجارية في العالم بأسره، وهذا ما أسميه «العولمة» بمفهومها الفعلي، فسفينة في قناة السويس يمكن أن تؤثر على حياة بعض الأشخاص في مكان يبعد عن مصر آلاف الأميال، وهذا بالضبط ما حدث في ووهان حيث انتشر فيروس «كورونا» من مدينة صغيرة ليصبح جائحة نصحو وننام على أخبارها وآخر مستجداتها مع اختلاف حجم الحدثين وتأثير كل منهما على عالمنا.
ما بين جائحة وجانحة هناك علم وفن وأسلوب إدارة يسمى «إدارة الأزمات»، والذي بتنا نسمع عنه كثيراً خلال السنوات الماضية، وكلما يحدث أي حدث هنا أو هناك نرى من يخرج علينا ليتحدث عن فن إدارة الأزمة، وكيف استطاعت الشركة الفلانية أو حتى الدولة الفلانية من الخروج من هذه الأزمة، وكيف تم التعامل مع هذه الأزمة وما هي الدروس المستفادة، ولعلنا في مقال اليوم نتدارك تلك الدروس المستفادة من الجائحة والجانحة وفن إدارة هاتين الأزمتين.
الأزمة تأتي فجأة، وأحياناً كثيرة لا يكون بمقدورك توقع حدوثها من قبل، وفي أحسن الأحوال تكون قد تداركت كرة ثلج صغيرة قبل أن تتدحرج وتكبر ويصبح من الصعب السيطرة عليها، ولكن حتى كرة الثلج هذه قد تكبر وتتضخم خلال ساعات قبل حتى أن تتداركها، وهذا ما حدث في أزمة السفينة الجانحة، فخلال ساعات قليلة جنحت السفينة في عرض القناة وأغلقتها بالكامل وأغلقت معها شريان التجارة العالمي، وبالوقت نفسه فتحت أعين الإعلام على مصر ومؤسساتها وقدراتها في تعويم السفينة وإنهاء الأزمة، وليس هذا فقط، بل فتحت معها أصوات وآراء وتحليلات من كل حدب وصوب لكيفية إنهاء هذه الأزمة وكأننا أمام مسابقة عالمية لتقديم الاقتراحات والنصائح، حتى الأطفال قدموا نصائحهم وظهروا في عدة قنوات ومنصات تواصل اجتماعي لينقذوا التجارة العالمية، ولك عزيزي القارئ أن تتخيل حجم الضغط الذي يقع على عاتق كل مسؤول مصري أمام الحجم الهائل من التركيز الإعلامي على هذه الأزمة، ولك أن تتخيل حجم الضغط الذي طال سائق الحفارة الصغيرة والتي أصبحت حديث سخرية بعد أن تم تناقل فيديوهات وصوراً لها وهي تقوم بالحفر من أمام مقدمة السفينة، كل هذا يجب أن تحسب له ألف حساب عند التخطيط أو التعامل مع إدارة الأزمات.
ولنعود للجائحة مرة أخرى، فخلال أيام ظهر فيروس جديد غير معروف ولا يمكن تشخيصه، وبعد عدة أيام يصبح الفيروس فتاكاً في جميع أنحاء العالم ويودي بحياة المئات ويصيب الآلاف، وبعدها بشهور يصبح العالم في أزمة صحية لم نشهد مثيلاً لها في تاريخنا الحديث، وأصبحت وزارات الصحة ووزير الصحة، بين ليلة وضحاها، أحد أهم الشخصيات القيادية في كل دولة من دول العالم، وأصبح مؤتمره الصحفي أهم المؤتمرات الصحفية، وأصبح العاملون في القطاع الصحي، الجنود البيض الذين يحمون الأرواح من الموت، ولك أن تتخيل أيضاً حجم الضغط على المؤسسات الصحية والمعنية بهذا الأمر.
الأمر المستفاد من هذه الأحداث هي أن نتعلم كيف ندير الأزمات مهما كان نوعها أو حجمها، سواء أكانت أزمات على مستوى دول أو مؤسسات أو شركات، أو حتى عائلات نحن مسؤولون عنها، وفي أبسطها أزمات نمر فيها في حياتنا، والأمر الحاسم لإنهاء كل هذه الأزمات هو «العمل بصمت»، أن تقوم بعمل شيء ما حيال هذه المشكلة أو الأزمة، وألّا تقف مكتوف الأيدي وأن تشاهد كرة الثلج تتدحرج وتكبر وتتضخم وأنت في حيرة ماذا تفعل، ولننظر كيف تعامل المصريون مع السفينة الجائحة، فمن خلال العمل والعمل ثم العمل تم تعويم السفينة بمدة لم يتوقعها أحد، وانتهت الأزمة بإنجاز كبير لمصر ولمؤسساتها، وكذلك في ووهان، فالعمل الدؤوب والإجراءات السريعة كانت كفيلة بإعادة الحياة إلى طبيعتها في «مسقط رأس» الفيروس.
فن إدارة الأزمات يتطلب السرعة والمرونة في اتخاذ القرارات، والقدرة الكبيرة على تشكيل لجان وفرق إدارة الأزمة، وهذا يقودنا إلى وجوب أن نجهز موظفينا ومسؤولينا وحتى أنفسنا على كيفية التعامل مع الأزمة، وأن نحدث من سياساتنا لتكون جاهزة للتعامل مع مثل هذه الأحداث الطارئة، فالأزمة يمكن أن تتحول لإنجاز إن أحسنا إدارتها واستطعنا الخروج منها، وهذا ما حدث في بعض التجارب مع الجائحة، وهذا ما حدث فعلياً مع أزمة السفينة الجانحة، وكلاهما درس يستفاد منه على جميع الصُعد والجوانب.