في كل فترة يظهر علينا فيديو لأحد الشيّاب وهو يمارس فعلاً مضحكاً أو مخجلاً، أو حتى يتصرّف تصرفاً فيه نوع من السذاجة، وفي بعض الأحيان يتم تناقل فيديوهات لشيّاب وهم يتصرفون تصرفات بريئة أو طفولية، ويكتب البعض تعليقات مسيئة لهؤلاء الشيّاب.. والبعض يتساءل ألم يخجل هذا الرجل من هذه التصرفات؟!، ولسان حال هؤلاء المعلقين «استحي على شيبتك»!!، والحقيقة أن مثل هذا الأمر له زاوية أخرى يمكننا أن ننظر من خلالها لمثل هذه التصرفات.

في مثل هذه الحالات، هناك نوعان من الشيّاب، النوع الأول: شيّاب يحاولون الوصول لشهرة معينة فيتصرفون بمثل هذه التصرّفات أمام الملايين دون أن يخجلوا من أفعالهم وتصرفاتهم، فنجد بعضاً منهم يحترف السباب والكلام البذيء، والبعض يحاول الوصول للشهرة بطريقة تناوله للطعام رغم أن طريقته مقززة، وهناك من يحاول أن يلفت انتباه المتابعين بكلامه السياسي المليء بالشتائم والكلام المخجل وغير المنطقي، وليس له أي علاقة بالسياسة لا من قريب ولا من بعيد، وهناك من يحاول اللحاق بتريند الشباب فتجده «يمصخ» نفسه في حركات وغناء ورقص يكون فيها أقرب للمراهقين في سن الخامسة عشرة، وهناك من يعرض نفسه للزواج ويطالب الفتيات الجميلات بالتقدم لخطبته، رغم أنه قد تجاوز السبعين من عمره.. وهناك من لا يسعني أن أذكر أو أستذكر أمثالهم، وهذا نوعنا الأول.

أما النوع الثاني فهم أولئك الشيّاب الذين ينتشر لهم مواقف بريئة أو طفولية، ومثل هؤلاء لا أجد أي غرابة في تصرفاتهم، فكثير منا يلعب بين حين وآخر مع أولاده أو أحفاده، فقبل فترة وصلني فيديو لأحد الشيّاب وهو ممسك بسيارة «لعبة» ويحاول تقليد صوتها، ومن الواضح أن أحداً أمامه يلاعبه أو يمازحه، والمشكلة ليست في مثل هذه التصرّفات إنما المشكلة في تصوير هؤلاء من قبل أولادهم أو أحفادهم ونشرها في مواقع التواصل، بقصد الحصول على مشاهدات من وراء هذا الأمر، وهنا العيب بحد ذاته، وفي الوقت ذاته، لا يستطيع هذا الشايب مقاضاة أو محاسبة ولده أو حفيده رغم الألم الذي يشعر فيه جرّاء هذه التصرفات.

فرق كبير بين صنفنا الأول وصنفنا الثاني، فالأول وبكل صراحة يسيئون لأنفسهم ولأعمارهم وللوقار الذي يجب أن يكونوا عليه، وقد يقول البعض بأن من حقهم أن يتمتعوا بحياتهم ما دام أنهم لم يؤذوا أحداً، وفي الحقيقة قد يكون لمثل هذا الرأي مكان في مشكلتنا، ولكن نحن مهما خرجنا من عباءة القيّم المجتمعية، إلا أننا محاصرون بداخلها ولن نسلم مهما كانت مبرراتنا، ولكم أن تتخيلوا الإساءة التي يسيء فيها هؤلاء الشيّاب لأولادهم وبناتهم وأحفادهم وحتى لإخوانهم وأخواتهم، فنحن نعيش في مجتمعات لا ترحم، والزلة والغلطة تصل لسابع جد فما بالكم بتصرفات مصورة ومنشورة وموثّقة في مواقع التواصل، أما صنفنا الثاني فهؤلاء مغرر بهم ولا أجد لهم طريقاً للدفاع عن أنفسهم وبيان حقيقة أمرهم.

لكل مرحلة عمرية مسؤوليات وتقديرات مجتمعية يجب أن نلتزم بها مهما كانت مبرراتنا، فالتصرفات التي قد نقبلها من شباب مراهقين هم أنفسهم لن يقبلوها على أنفسهم، عندما ينضجون لن نقبلها نحن من شيّاب نتوسّم فيهم أن يكونوا قدوة للأجيال بدلاً من أن ينجرّوا وراء صرعات وموضة وتريند وسائل التواصل الاجتماعي ومحاولات جلب انتباه المتابعين بأسخف الأمور، وأقلها قدراً وقيمة، ومثل هذه الأمور لا أجد لها أي مبرر إلا محاولة من البعض أن يتدارك ما فاته من عمره الفائت، فيحاول أن يلفت الانتباه بأي شكل وبأي وسيلة، وهذا خطأ كبير وإن كان أمثال هؤلاء لديهم حس الدعابة والفكاهة، فيمكن أن يظهروها لنا بشكل مضحك يحترم سنهم، ولكن للأسف أغلب هؤلاء يتفوقون على الصبيان والمراهقين في تصرفاتهم غير مدركين أنهم بهذا يسيئون لعائلاتهم ولمحيطهم الاجتماعي.

تبقى وسائل التواصل مرآةً لمجتمعاتنا وانعكاساً للتنوع الفكري والمعرفي والأخلاقي لمجتمعات يشكلها الملايين، أما ملاحظاتنا واستنكاراتنا فما هي إلا نقطة في بحر أمام محاولات تغيير الواقع، إلا أنه وجب التنويه ووجب التفصيل والتعريف لعلنا ننظر لمثل هذه التصرفات من زوايا أخرى نستطيع من خلالها التفريق بين الصنفين، فشتّان بين الاثنين أحدهم يسيء لنفسه وآخر يساء له، دعواتنا للاثنين الأول بالهداية والثاني بالصبر على ما ابتلي به من محيط لم يقدّر وقار سنّه.