غالباً ما ينصرف الذهن في موضوع مزارع المياه نحو الشكل الذي يبدو مألوفاً نوعاً ما وهو الزراعة في الماء وبدون استخدام التربة وتسمى بالزراعة العمودية، وهو شكل اقتصادي للمياه أكثر من الطرق التقليدية الاقتصادية في الزراعة مثل التقطير والري وغيرها.
لكنّ ما أريد الحديث عنه هنا شيئاً مختلفاً تماماً عن ذلك الشكل وليس للعنوان أي علاقة به، حيث إن مزارع المياه التي أقصدها هي مجال جديد كلياً ويمكن القول بأنه أحد مجالات العلم والاقتصاد المستقبلية المرتبطة ارتباطاً وثيقاً بصناعات وعلوم التنمية المستدامة.
لقد ظل المبتكرون طيلة العقود الأخيرة الماضية يبحثون عن حل جديد ومستدام ومغاير للحصول على المياه بدون الطرق التقليدية المألوفة، ولعل بعضهم أخيراً ومع ازدهار التكنولوجيا قد اهتدوا إلى إجابة حول ذلك، وهي أن الحل موجود في الهواء، حيث يمكن الحصول على المياه من الهواء باستخدام الطاقة الشمسية، ولا حاجة للكهرباء ولا حاجة إلى شبكة ولا إلى بنية تحتية، إنها طريقة مكتفية ذاتياً تماماً.
من هنا يمكن تعريف مزارع المياه بأنها عبارة عن حقول تنتشر فيها العديد من ألواح الطاقة الشمسية المدمجة والمتخصصة في تحويل الهواء إلى ماء، حيث تقوم ألواحها الشمسية بالعمل على تشغيل مروحة لسحب الهواء الذي ينتقل داخل الجهاز عبر مادة تشبه الاسفنج تحبس بخار الماء. وأثناء ذلك، يضاف المغنيسيوم والكالسيوم إلى الماء لتحسين مذاقه وتوفير الفوائد الصحية الممكنة، وهذا يعني في النهاية إمكانية إنتاج مياه الشرب المعدنية من الهواء بطاقة متجددة ومن دون نفايات، وتسمى هذه التقنية بالـ«هيدروبانلز».
أما اقتصاد مزارع الماء فيمكن التنبؤ بأنه أحد اقتصادات المستقبل التي ستفتح آفاقاً جديدة وتفتح الباب لسوق استثماري جديد وتوفر الكثير من فرص العمل. بالإضافة إلى ذلك فإن مجال زراعة الماء كفيل بتغيير جذري للاقتصاد الزراعي وتحول نوعي في جودة المحصول وسبب رئيسي في توفير الأمن الغذائي وليس فقط على الصعيد الزراعي ولكن تضمن مزارع المياه حلولاً جذرية لمشكلات المناخ والبيئة الناتجة عن استنزاف المياه من باطن الأرض وسيكون هناك صناعات منفصلة قائمة عليها، إنه مجال جديد يتطلب إنشاء جيل من الشباب لاقتحامه وسيوفر هذا المجال فرصاً للعمل وأسواقاً كثيرة وفرصاً استثمارية ومشاريع قد تتحول في محورها لمشاريع جيوسياسية وبإمكان أي دولة تعاني من تصحر زراعي أن تقتحم مجال الإنتاج الزراعي المائي،
فمثل هذه التقنية هي وليدة الحاجة وتشبه معالجة اليابان لحاجتها للمواد الخام لصناعة السيارات التي لا توفرها مواردها الطبيعية وتشبه معالجة السويد لحاجتها للطاقة لاستخدامها في التدفئة فاستثمرت في النفايات.
أخيراً يمكن القول إن مدينة دبي من أوائل مدن العالم والتي تقام فيها مزارع الماء، حيث تقوم شركة «سورس»، التي تقيم أكبر مزرعة مياه لها في دبي بإنتاج يصل إلى 1.5 مليون لتر من الماء كل عام. وللحديث بقية.
* خبيرة اقتصاد معرفي