عندما باتت الأمريكية الراحلة إلينور أوستروم أول سيدة تفوز بجائزة نوبل في الاقتصاد، وكان ذلك في عام 2009، قالت: «لن أكون الأخيرة». وبرغم أن الوقائع صَدّقَت مقولتها، إلا أن ذلك حدث بعد فترة طويلة، وتحديداً بعد عقد كامل، عندما فازت الفرنسية الأمريكية، استر دوفلو، بالجائزة في 2019.

وعلاوة على ذلك، فإن أوستروم، التي توفيت عام 2012، فازت بالجائزة رغم أن تخصصها الرئيسي يقع خارج نطاق علم الاقتصاد بمفهومه التقليدي السائد، إذ كانت متخصصة في العلوم السياسية بالأساس. فهل ثمة مشكلة بين علم الاقتصاد والسيدات؟

وإن وُجِدَت، فأي من الطرفين هو الذي تسبب في تلك المشكلة. في وقت سابق من الصيف الجاري، نشرت «الجمعية الاقتصادية الملكية» البريطانية تقريراً يتضمن استبياناً عن انعدام التوازن بين النوعين في الوظائف والدرجات المتعلقة بعلم الاقتصاد بالمملكة المتحدة. وتبدو الصورة التي ترسمها نتائج الاستبيان غير مشجعة على الإطلاق.

ذلك أن التفوق الأكاديمي في علم الاقتصاد يبقى إلى حد كبير نشاطاً ذكورياً بامتياز في المملكة المتحدة. وأستطيع أن أقول من واقع مشاهداتي الخاصة، وفي عدد ليس بالقليل من الدول خارجها أيضاً. فكلما ارتفعت درجات المُسميات الوظيفية في مجال الاقتصاد الأكاديمي، زادت هيمنة الرجال عليها.

لا تتجاوز نسبة الطالبات إلى إجمالي من يدرسون بكليات الاقتصاد البريطانية 32 %، بالمقارنة مع 27 % في عام 1996. ويبدو الوضع أسوأ عند المقارنة بين نسبة السيدات إلى إجمالي أساتذة الاقتصاد في الجامعات البريطانية هذا العام، والتي تبلغ 26 %، مع نسبتها في عام 1996.

والتي لم تتخط 18 %. ومن واقع كلتا المقارنتين، يتضح جلياً أن التقدم الذي تحقق على مدى ربع قرن ليس مُلهِماً، وهو ما يعني بالضرورة أنه ليس مشجعاً. الأمر سيئ، حتى لعلم الاقتصاد نفسه، وليس للسيدات فحسب. وتقولها الاقتصادية ديان كويل، أستاذة السياسات العامة لدى جامعة «كمبردج» البريطانية، باقتضاب: «ليس من الممكن أن تصنع علماً اجتماعياً جيداً، إذا كان مستوى تمثيلك في المجتمع دون الطموحات».

وتبدو المشكلة أكثر حدة للاقتصاديين الأكاديميين منها للاقتصاديين بصفة عامة. إن نصف خريجي كليات الاقتصاد في المملكة المتحدة من الإناث، وبعد تخرجهن، إما يذهبن للعمل لدى لقطاع الخاص «البنوك، الشركات الاستشارية، والشركات التقنية، وغيرها»، أو يلتحقن بالمنتديات الفكرية، «بنك أوف إنجلاند»، أو «الخدمة الاقتصادية الحكومية»، وجميعها جهات تُوظف عدداً من المتخصصات في الاقتصاد يفوق ما توظفه الجامعات.

على الصعيد الدولي، تتولى المرأة حالياً منصب وزيرة الخزانة الأمريكية، والمدير التنفيذي لكل من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي. وسبق لها قبل ذلك أن تولت منصب رئيسة البنك المركزي الأمريكي «الاحتياطي الفيدرالي».

لذا، يبدو دخول السيدات إلى عالم الاقتصاد الأكاديمي ليس بالسهل، أو أن العالم نفسه غير جذاباً لهن. وفي كلتا الحالتين، فالأمر غير تقليدي. يُعزَى جزء من المشكلة إلى عدم استقرار الوظائف الأكاديمية الصغيرة بشكل عام، سواء في علم الاقتصاد أو غيره، فضلاً عن كون الاستقرار في هذه الوظائف يقتضي نشر الأبحاث والأوراق العلمية على نحو متلاحق،.

وهو ما قد لا يروق للموظفات الراغبات بالإنجاب. ولا يتعين أن نترك الأمر هكذا من دون حل، كما لو كانت إعادة النظر في تصميم الوظائف الأكاديمية بُغية جعلها أكثر جاذبية وتوافراً للجميع أمراً مستحيلاً، ولكن للأسف، لم يتغير شيء حتى الآن.

ولكن لا تقتصر المشكلة على نقص المسارات المهنية الصديقة للعائلة في الوسط الأكاديمي عموماً، فمنذ أربعة أعوام، نشرت أليس وو، والتي كانت آنذاك لا زالت طالبة لدى «جامعة كاليفورنيا في بيركلي»، دراسة منهجية عن اللغة المستخدمة عند الحديث عن السيدات الأكاديميات في منتدى «إيكون جوب رومرز» الشبكي للتوظيف في المجال الأكاديمي.

وقالت وو في دراستها: «سأوفر على القارئ التفاصيل، والتي هي غالباً ما تتضمن إيحاءات غير أخلاقية أو ألفاظاً بذيئة إلى حدٍ بعيد، أو كليهما معاً. ولكن الأكاديميات الاقتصاديات الشابات أدركن أن سوق الوظائف الأكاديمية لم يدخر أي تفاصيل».

وأحدثت دراسة وو ضجة عنيفة في الأوساط الأكاديمية الاقتصادية في العالم، وبصفة خاصة في الولايات المتحدة الأمريكية، وكان أحد أبرز معالم هذه الضجة أن «الجمعية الاقتصادية الأمريكية» اتخذت آنذاك، ولا زالت تفعل منذ ذلك الحين، تدابير مُشددة ضد مظاهر التمييز بحق السيدات في السلك الأكاديمي.

والآن، شخصنا الأسباب وراء عدم وجود الكثير من الخبيرات الاقتصاديات، فمن سيبادر إلى علاج الأسباب، ومتى سيفعل؟

* مؤلف عدة كتب اقتصادية، وكاتب عمود لدى صحيفة «فاينينشال تايمز» البريطانية

ترجمة بتصرف: سيد صالح