يقول الفيلسوف البارز والمتخصص في الاستشراف آلفين توفلر: «الأميون في القرن الواحد والعشرين ليسوا من لا يقرؤون ولا يكتبون، بل هم الذين لا يستطيعون التعلّم وتجاوز ما تعلموه والتعلم من جديد». لقد حان الوقت ليعمل قطاع التعليم العالمي بهذه المقولة والعمل عليها بطريقة عاجلة.

لا يزال النظام التعليمي العالمي على حاله منذ أكثر من 100 سنة، فهو مبني على أساس «نموذج عمال المصنع» الذي كان يتماشى في ذلك الوقت مع متطلبات الناس والاقتصاديات.

وفي الواقع، تم تأسيس ذلك النظام التعليمي في وقت كانت فيه الصناعات بحاجة إلى عمال لديهم مجموعة محدودة نسبياً من المهارات والمعرفة لتلبية احتياجات بعض تلك الصناعات مثل الزراعة والتصنيع. ومع الوقت بقيت الأسس على ذاتها دون أن يطرأ على آليات عملها أي تغيير.

أما النماذج التعليمية المتبعة في العالم فقد ظلت بعيدة إلى حد كبير عن التطورات التكنولوجية التي ارتقت بقطاعات أخرى إلى مستويات جديدة كلياً. أما اليوم، فيتمتع الأطفال بمعرفة تكنولوجية واسعة ويحصلون على كم كبير من المعلومات والمعارف، حيث أصبح نظام التعليم الحالي العالمي غير مناسب لهم، لا سيما مع تفشي جائحة «كوفيد 19» المستمر؛ ولهذا السبب هناك حاجة إلى تغييره الآن.

وبمناسبة اليوم الدولي للتعليم الذي يحتفل به العالم اليوم، يجب إدراك بأنه ولفترة طويلة جداً تم إهمال الأداء الضعيف لنظام بأكمله يقوم عليه التعليم والتعلم.

والنتيجة؟ نظام تعليمي عالمي هشّ انهار عند مواجهة مجرد فيروس.

ﻻ يمكن للتعليم أن يستمر على الطريقة ذاتها التي ما زال يُقدم بها. فلا يمكن أن نتوقع من نظام تعليمي عالمي مصمم لحقبة عفا عليها الزمن تقديم النتائج المنشودة للجيل الحالي، والذي يعيش في عصر يولي كل تطلعاته واهتمامه للمستقبل.

كما ينبغي تجاوز المبادئ والمفاهيم واﻷطر التي كانت فعالة فيما مضى وفقدت جدواها في عصرنا الحالي. وعلى سبيل المثال، لماذا ﻻ يزال الطلاب حول العالم يتعلمون عن الكواكب من خلال الصور المصغرة للنظام الشمسي في الكتب المدرسية، رغم أن بين يدينا اليوم تقنيات متطورة كالواقع الافتراضي، تتيح لهم تصوّر الكون تماماً كما هو بحجمه الهائل واللانهائي.

يحتاج النظام التعليمي في العالم لإحداث تغيير منهجي من خلال تبني طرق جريئة ومبتكرة تنسجم مع متطلبات العصر الحالي، ما يعني ضرورة تغيير الأولويات وتحديث خطط العمل وتغيير الاستراتيجيات بما يتناسب مع الدروس المستفادة من الجائحة والفرص الناجمة عنها.

لا يُمكن تحقيق هدف كهذا من خلال المنظمات والهيئات المختلفة التي تسعى إلى الترويج لأجنداتٍ خاصة يقتصر تأثيرها على المدى القريب. وانطلاقاً من كون التعليم حاجة عالمية، فإن تحقيق إصلاح جذري في هذه المنظومة يتطلب تضافر الجهود على مستوى العالم بأسره، بدءاً بوكالات الأمم المتحدة، ومروراً بالقطاعين العام والخاص، وانتهاءً بكل معلم ومدرس، بما يضمن تحقيق تغيير فعليّ وقابل للتوسع ومستدام.

إلا أن النظام التعليمي في العالم يعاني منذ مدة ليست بالفترة القصيرة من الانقسام، بما في ذلك انعدام التنسيق والتواصل والتعاون، ما أدى إلى مزيد من التحديات التي تقف في وجه أي تأثير حقيقي؛ ولذا ينبغي علينا أن نتعلم من جديد أن التقدم والتطور الإنساني لا يأتي إلا من خلال الرؤية والطموح المشتركين.

إن عدم استعداد النظام التعليمي وعدم صموده في مواجهة الجائحة هز العالم. لقد أظهر لنا أن النظام يحتاج إلى إعادة صياغة من الألف إلى الياء وإعادة بنائه على أساس يجعله مرناً أمام الأزمات غير المتوقعة في المستقبل.

هذا يعني أننا لا نستطيع التوقف عند الاكتفاء بتحقيق مكتسبات على المدى القصير. إن هذا الشعور بالذات لتجاوز آثار الجائحة والتطلع إلى مستقبل التعليم، إلى جانب إعادة صياغته من أجل تغيير مستدام لعقود قادمة، هو ما حثنا على استضافة قمة ريوايرد الشهر الماضي خلال فعاليات إكسبو 2020 دبي.

وقد شكلت القمة أول ملتقى منذ سنتين يوفر فرصة اللقاء بشكل شخصي للأصوات التقليدية والجديدة، لمشاركة آرائهم حول السبيل الأمثل لتحقيق التغيير المنشود. كما وفرت القمة الفرصة للاستماع لرؤساء دول ووزراء وقادة القطاع الخاص، فضلاً عن ممثلي الشباب الذين أسهموا جميعاً بإثراء هذا النقاش العالمي من خلال وجهات نظرهم الفريدة. وعلى مدى الأيام الثلاثة، حملت القمة أهميةً كبيرة أتاحت لجميع الأطراف فرصة الجلوس إلى طاولة الحوار، نظراً للصلات الوثيقة التي تربط النظام التعليمي بمختلف مجالات الحياة والعمل الأخرى.

ومن الأمثلة على النتائج الإيجابية التي أثمرت عنها القمة، إطلاق «إعلان ريوايرد العالمي حول الاتصال من أجل التعليم»، والذي يعلن بدء عصر جديد في مجال التعليم الرقمي؛ ومبادرة «جواز السفر من أجل الدخل»، التي تسعى إلى فتح آفاق جديدة للشباب من خلال التدريبات المجانية والمعتمدة التي تركز على المهارات؛ إلى جانب إطلاق «معايير المدارس والحضانات الصديقة للطفل» من قبل مكتب الشارقة صديقة للطفل، والتي تركز على تطبيق منهجيات تعليمية مبنية على حقوق الطفل، والدلائل العلمية المتوافرة حول تنشئة الأطفال.

كما شهدت القمة نقاشاً على أعلى المستويات، ارتكز على الورقة الريادية التي نشرتها اليونيسكو حول مستقبل التربية والتعليم، وتخلله طرح عدد من الأفكار حول كيفية تسريع التقدم باتجاه أهداف التنمية المستدامة.

كما استضافت القمة «العرض التقديمي حول التعليم المبتكر في أفريقيا»، والذي شهد تكريم خمسة من أكثر مبتكري التعليم الواعدين في إفريقيا لطرح أفكارهم حول التعليم، حيث سيتم دعم ابتكاراتهم كمشاريع رائدة في البلدان الأفريقية. علاوة على ذلك، اختتمت القمة بحفل توزيع جوائز حوارات ريوايرد، حيث تم تقديم منح تمويلية لعدد من التجارب لمواصلة تطوير التجارب وإطلاقها في قطاع التعليم.

وما أنجزناه بالفعل لن يُحدث تغييراً جذرياً في قطاع التعليم بين ليلة وضحاها، إلا أننا واثقون من أن مخرجات القمة ستعيد تنشيط النقاش حول مستقبل التعليم، خاصة مع مشاركة جميع الأطراف وأخذ مختلف وجهات النظر بعين الاعتبار، ما شكل تجديداً مطلوباً ونمطاً مغايراً للحوارات المجزأة التي سادت المجال لعقود طويلة. وفي هذا السياق، من المقرر أن تُقدم نتائج قمة ريوايرد لقمة الأمم المتحدة حول تحول التعليم التي يعتزم الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، عقدها في سبتمبر 2022.

وباختصار، قدمت القمة مثالاً يحتذى به للتعلم وتجاوز المفاهيم القديمة وإعادة التعلم وفق رؤية جديدة، من خلال الحوارات والمباحثات وتوحيد الجهود حول المسائل والقضايا التي ينبغي معالجتها في سبيل التخلص من التهالك الذي أصاب نظام التعليم لعقود، وإيجاد البيئة المناسبة لبدء حقبة تعليمية جديدة تتسم بالنمو والازدهار. يمكننا أن نتفق جميعاً على أن قمة واحدة لا تكفي لمواجهة هذه التحديات. وبالتالي، دعونا نتعهد جميعاً ونلتزم بمواصلة المحادثات حول التعليم من أجل بناء عالم أفضل للأجيال القادمة.