أصبح استشراف المستقبل ضرورة حتمية في ظل المتغيرات المتسارعة والتحولات الجذرية التي تنتظرنا خلال الأعوام المقبلة، هذا ما أثبته نجاح القمة العالمية للحكومات على مدى عقد من الزمن، استشرفت فيه دولة الإمارات العربية المتحدة مع دول العالم مستقبل الحكومات، برؤية مستقبلية يقودها صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، وصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، لتجمع القمة في دورتها العاشرة أكثر من 10 آلاف شخصية قيادية عالمية من رؤساء ووزراء وخبراء وقادة فكر وصناع قرار على أرض الإمارات، وتتجاوز معهم قضايا الواقع الذي سبق وأن استشرفته في دوراتها الماضية، منطلقة في رحلة جديدة نحو المستقبل بمدنه وحكوماته وتوجهاته وتحدياته وتحولاته. 

قمة استثنائية

شاركت أكثر من 150 دولة في هذه القمة الاستثنائية، تحت مظلة التسامح والتآلف الدولية التي تحملها دولة الإمارات العربية المتحدة، ونجحت في أن تعكس روح دولتنا وتمثلها بأفضل صورة كما قال صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد في تغريدته التي رافقت آخر أيام هذه التظاهرة الفريدة: «القمة تمثل دولتنا التي تجمع العالم، وتستشرف المستقبل، وتمثل قوة خير للبشرية».

وبكل ما فيها من خير وجمال وإبداع وتميز، انعكست روح الإمارات المعطاءة على كل من حولها، حيث برز خلال القمة إجماع عالمي على دور الإمارات الريادي على المستويات كافة، فقد كانت سباقة في بذل كل الجهود التي استفادت منها الدول حول العالم، وتعميم تجاربها وخبراتها الاستثنائية في التعامل مع المشكلات والأزمات لصالح البشرية. وجاء حصاد السنين يانعاً، إشادة بالتجربة الإماراتية وما حققته من تنمية شاملة تعزز مفهوم الاستدامة، وبصمة تاريخية في دعم دول العالم في أزماتها الإنسانية والسياسية، حيث أسهمت جهودها ومبادراتها في استقرار الكثير من الدول، كما برزت صدارتها في مجال التنويع الاقتصادي، لتصبح مثالاً يحتذى في تجاوز التحديات الاقتصادية العالمية، إضافة إلى ريادتها في عالم التكنولوجيا والابتكار، وجاهزيتها الكبيرة للتصدي للتحديات الطارئة المختلفة، واستعدادها لاستضافة الأحداث الدولية الكبيرة، كمؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ «COP28»، إلى جانب ما تقدمه من فرص لا محدودة متاحة للمبدعين والموهوبين، انعكست بشكل إيجابي على قطاع الصناعات الثقافية والإبداعية في دبي. 

عصر المستقبل

ولأننا في دولة الإمارات وفي دبي نعيش في عصر المستقبل، فقد حظي الاقتصاد الإبداعي بحضور بارز خلال القمة العالمية للحكومات، فصناعة اقتصاد مبني على الابتكار باتت مطلباً ملحّاً، لا سيما وأنه يسهم بنسبة 3 % من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، ما يلفت الأنظار إلى أهمية الصناعات الإبداعية التي أصبحت مؤثراً قوياً في صياغة رؤى الحكومات الباحثة عن الازدهار. كما أبرزت جلسات القمة تأثير قطاع الصناعات الإبداعية ودوره الفاعل في تنشيط قطاع السياحة، وترابط الشعوب، كونه وسيلة خلاقة للتبادل الثقافي تعمل بشكل جاد على دفع عجلة التنمية الاقتصادية.

وفي خطوة رائدة تواصل من خلالها إمارة دبي مسيرة التميز الحكومي، وترسخ ثقافة الابتكار، وتحقق في الوقت نفسه رؤية قيادتنا الحكيمة التي اعتادت تحقيق الريادة العالمية في شتى المجالات، فقد تزامن عقد القمة العالمية للحكومات مع إطلاق سمو الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم، ولي عهد دبي، «مؤشر دبي للجاهزية للمستقبل»، الذي يعد إنجازاً استثنائياً يحق لنا الفخر به، وكلنا ثقة بأنه سيصبح تجربة عالمية رائدة تستفيد منها حكومات العالم في تصميم استراتيجياتها.

متغيرات 

قوة «مؤشر دبي للجاهزية للمستقبل» تكمن في أهدافه، فمن خلاله سيتم تقييم مدى استعداد الجهات الحكومية في دبي لكل المتغيرات والتحديات محلياً وعالمياً، وتحديد الفرص المستقبلية، ما يسهل مهامها في إنجاز أهدافها وتطوير استراتيجياتها وخطط عملها للمرحلة المقبلة، ويجعلها شريكاً أساسياً في عمليات التطوير من خلال قياس قدرتها على الاستشعار وقراءة وتحليل التغيرات والتوجهات الاقتصادية والاجتماعية والتكنولوجية على المستويات المحلية والإقليمية والعالمية. ولم يغفل المؤشر أهمية تمكين موظفي الجهات الحكومية وتزويدهم بمهارات تصميم المستقبل وتشجيعهم على الإبداع والابتكار، وهو ما يعزز مفهوم الاستدامة، ويسهم في تحويل دبي إلى مدينة رائدة في المستقبل تقدم أفضل جودة حياة للمجتمع. 

تجربة ثرية 

ومواصلة لمسيرة النجاح والإنجازات، أطلق سمو الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم أخيراً المنصة الموحدة «04»، التي تضم أكثر من 40 جهة حكومية، وتسهم هذه المنصة بشكل فاعل في تطوير وإثراء تجربة المتعاملين، وجعلهم الشريك الاستراتيجي للجهات والمؤسسات الحكومية في تصميم وتنفيذ وتقييم خدماتها، وتعكس في الوقت نفسه الفكر الإبداعي الذي تمتاز به دبي، وتسخره دائماً في خدمة البشرية.

ولأن مواكبة المستقبل تتطلب جيلاً يتقن التحدث بلغته والتعامل بأدواته، فقد أسست دولتنا أجيال المستقبل باكراً، وأنشأت قيادات طموحة ممكَّنة تعي معنى صناعة المستقبل، فكان حضور الشباب بارزاً ضمن فعاليات القمة العالمية للحكومات، وملهماً إلى أبعد الحدود.

راهنت دولتنا على الأجيال الجديدة وكسبت الرهان، لأنها تدرك تماماً أننا نعيش في عالم متغير، أصبح فيه الأمي من لا يستطيع العيش والتفاعل مع التكنولوجيا وتقنيات الذكاء الاصطناعي الذي سيحدد موقع الحكومات ومستقبلها، وأصبح الابتكار ثقافة نصافح من خلالها المستقبل.