منظور الكبار.. قراءة في قِيَم الحياة

ت + ت - الحجم الطبيعي

تحت وسم «علّمتني الحياة»، أطلّ صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبيّ، رعاه الله، على قُرّائه وعاشقي حرفه وحكمته، بتدوينة ثمينة، نشرها على حسابه في إنستغرام، أضاء من خلالها فكرة القِيَم الكبرى في الحياة، وصحّح المنظور الذي يجب أن ينظر به إليها.

مُضيفاً بذلك درساً عميقاً من دروس الحكمة والخبرة والبصيرة، التي تتميز بها مدرسة صاحب السمو، الذي خاض معتركات هذه الحياة، بفروسية نادرة، كان لها أكبر الأثر في تقدم الوطن، وإثراء مسيرته بالمنجزات الباهرة، فضلاً عن إعداد القادة، وفرق العمل التي تحمل بأمانة وشرف أعباء المسؤولية، وتُسهم بكفاءة واقتدار في مسيرة التنمية الزاهرة لهذا الوطن الحبيب، في جميع مسارات الحياة.

«علّمتني الحياة بأنه لا قيمة للمال إذا لم نجعله في سعادة وخدمة البشر»، بهذه الكلمات المُشرقة بنور الحكمة، والمختارة بعناية وبصيرة، يفتتح صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، هذه التدوينة البديعة، التي تُعدّل النظرة الراسخة لدى أكثر الناس للمال، وأنه وسيلة لقضاء المآرب واقتناص الشهوات، وربما كان وسيلة للكِبْر والاستعلاء على الآخرين، فجاء هذا التصحيح الجذري لقيمة المال.

والذي يُطيح بالنظرة الخاطئة للمال، فإذا كان الهدف الأكبر من المال، هو زيادته عن طريق الاستثمار في الاستعمال الإيجابي للمال، فإنّ صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، يفتح عين القلب والبصيرة على هدفٍ أسمى لوظيفة المال، هو إسعاد الإنسان، وتقديم الخدمة التي تُخفف من معاناته.

وهذه قيمة أخلاقية تغيب عن أكثر بصائر المشغولين بجمع المال، وهي في جوهرها مستلهمة من تعاليم ديننا الحنيف، الذي جعل للفقراء والمساكين حقّاً معلوماً في المال، يتم تقديمه إليهم بنفسٍ معمورةٍ بحبّ الخير وعمل المعروف، وصدرٍ منشرحٍ بقيمة الوقوف مع الإنسان الملهوف، فكانت هذه الكلمات النيّرة من صاحب السمو، نبراساً يضيء الطريق لكلّ من أنعم الله عليه بنعمة المال، ولم يهتدِ إلى سواء السبيل في كيفية توظيفه في هذه الحياة.

«ولا قيمة للوقت إذا لم نستثمره في عمل نافع»، والوقت هو الحياة، ولا قيمة للحياة إذا كانت تجري على غير منفعة، فاستثمار الوقت يعني تسخيره للعمل الجادّ، وإنفاقه في الإنجاز النافع للحياة والإنسان، كلّ في مجال تخصّصه، وهل تتقدم الأمم إلا بالمحافظة على الوقت، وحين نتأمل ميراث الأنبياء والحكماء والعقلاء في جميع الأديان والمِلل والثقافات، نجد حرصاً رشيداً على قيمة الوقت، باعتباره الوجه الحقيقي للحياة المليئة بالمنجزات، وما تأخرت أمة من الأمم عن ركب الحضارة.

إلا إذا سَرتْ إليها جرثومة إهمال الوقت، وعدم الاعتبار الحقيقي لقيمته وفاعليته في الحياة، وحين ننظر في جميع التعاليم والعبادات في ديننا الحنيف، نجد ربطاً عجيباً بينها وبين الوقت من أجل تدريب الإنسان على احترام فكرة الوقت في صلاته وصيامه ووقت زكاته وحجّه، وجميع المعاملات المرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالوقت، ما يعزّز الإحساس بقيمته، ومدى أهميته في تشكيل الوعي والعقل والسلوك.

«ولا قيمة حقيقية للحياة إذا لم نُسخّرها لبناء إرثٍ يدوم وينفع ويرفع غيرنا»، في هذا المقطع من هذه التدوينة البديعة، يوسّع صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد مشهد الرؤية، وينتقل بفكرة القيم إلى الحياة نفسها، التي هي ظرف للمال والوقت وكل شيء، فيؤكّد بنبرة جازمة، أنه لا قيمة للحياة نفسها، إذا لم يتم تسخيرها في بناء الإرث الحضاري الراسخ، الذي يشهد بجهود باذليه في سبيل رقيّ الحياة.

فالحياة هي مجموعة من الإنجازات المتراكمة، التي يبني فيها اللاحق على منجزات السابق، وهو ما يرفع من قيمة الإنسان النافع لنفسه وغيره، تصديقاً واستلهاماً من قول نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم:

«إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم نافع، أو ولد صالح يدعو له»، منبّها بذلك على أصول الأعمال التي ينبغي الاهتمام بها، وصرف عنان النظر إليها، وبخصوص صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، فإنّ التاريخ سيشهد له، ويكتب بمداد الفخر والاعتزاز، أنه كان رجل العمل والخير والعطاء في جميع ميادين الحياة، التي تستعصي على الحصر، ويعجز اللسان عن استقصاء ميادينها، فهو رجل الدولة في البناء والإعمار، وهو صاحب القلب العطوف، الذي يرعى الأكباد الجائعة، وهو الذي يرعى النهضة العلمية، ويبني الأجيال الشابة التي ستنهض بالعبء في قادمات الأيام.

«قيمة كل شيء تعتمد ما نفعله فيه، حتى الوطن، قيمة الوطن تعلو وترتفع بأعمالنا وتضحياتنا، وكلنا مسؤول، كلنا يستطيع أن يُساهم في خلق قيمة أعلى وأسمى لأوطاننا».

وفي هذه الخاتمة الرائعة، يؤكّد صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، على الجوهر الحقيقي لمفهوم القيمة، وأنّ ذلك مرتبط بقيمة ما نفعله تجاه كل شيء في الحياة، وإذا كان الوطن واحداً من أغلى القيم الإنسانية، وأشدّها ارتباطاً بمصير الإنسان، فإنّ صاحب السمو يؤكّد على أنّ القيمة الحقيقية للوطن، إنما تعلو وترتفع بمقدار ما يبذل أبناؤه من جهد عظيم في سبيل رفعته والارتقاء به.

فإنّ الأوطان لا تعلو ولا تتقدّم بالصُّدف والأمنيات، بل تتقدم بسواعد أبنائه، وتكاتفِ طاقاتهم في سبيل رفعة وطنهم، وهي الأعمال التي تصل إلى حدّ التضحيات، فالوطن لا قيمة له، إذا لم يكن يستحق التضحية، وليس هذا الأمر مرتبطاً بالحاكم وحده، بل هو واجب كلّ من ينتمي إلى تراب هذه الديار الحبيبة، التي تستحق كلّ خير وعطاء، فنحن جميعاً مسؤولون عن حماية منجزات هذا الوطن، وتقديم أفضل ما لدينا، من أجل خلق قيمة أعلى وأسمى لهذا الوطن الخفّاق راياته في كلّ معالم الحياة.

جميلة ومؤثرة وعميقة الحضور، هذه الإطلالة من صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، الذي تعوّدنا من خلال كتاباته شعراً ونثراً، على أنّ الحياة تستحق البذل والعطاء، في وطن يستحقّ كلّ خير وسعادة وهناء.

 

Email