Al Bayan
today-time07 ذو القعدة 1446 هـ ، 5 مايو 2025 م
prayer-time

بلاد مبروكة؛ كلمة في «وقف الأب»

كل بناء نشأ على أُسسٍ قويّة متينة سيبقى قويًّا متينًا مَهْما علا وسما في السماء، وكما ينطبق هذا الشيء على البناء الحسّي المادي فهو ينطبق أيضًا على الأمور المعنوية، وإنّ دولة الإمارات العربية المتحدة منذ نشأتها قبل أكثر من نصف قرن وهي تسير في مسارٍ آمنٍ على المستويين المادي والمعنوي، فقد تأسّست وشُيِّد بنيانُها على أقوى الأسس الأخلاقيّة، وكانت نظرات القائد المؤسّس المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، وما زالت مصدر إلهامٍ وتحفيزٍ داخل الروح الإماراتية التي تجمع على نحو فريد بين التقدّم المادّي الحضاريّ والتقدّم المعنويّ في إطار العناية بالإنسان وتأهيله والارتقاء بروحه وأخلاقيّته ورؤيته لهذا العالم الجميل، وبفضل ذلك أصبحت دولة الإمارات دولة مرموقة بعين الإعجاب بفضل ما تحقّقه من حضورٍ عميقٍ داخل المنظومة الإنسانية، وما تحصده من مؤشّراتٍ حضاريّة تشهد لها بنزاهة الحاكميّة، وعمق الإحساس بالمسؤولية تجاه الوطن والإنسان.

لقد كانت دبيّ دانة الدنيا وافرة الحظّ من هذا العطاء الذي اختُصّت به الإمارات، وكانت سعادتها بفارسها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله، هي أعظم حظوظها، فقد منحها حُبّه ورعايته، وارتقى بها إلى أعلى مدارٍ تحلُمُ به أعظمُ المدن على ظهر هذا الكوكب، ورسّخ على أرضها من التقاليد والمبادرات والمؤسّسات ما جعلها منظورًا إليها بعين الغبطة، وكانت ظاهرة «الوقف الخيري» واحدة من أبرز معالمها التي سيكون لها أعمق الأثر في تاريخها الحضاريّ، فهذا النوع من المظاهر الحضاريّة هو مما تفتخر به الأمم، ويعكس طبيعة الروح الاجتماعيّة التي كانت سائدة فيها، حيث تُعدّ الأوقاف بكلّ أشكالها مظهرًا من مظاهر التماسك الاجتماعي والاستقرار الحقيقيّ للمجتمع، ولقد أدرك صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد ببصيرته الثاقبة المغزى العميق لهذه المؤسّسات في مسيرة دبي، فبادر إلى إنشاء العديد من الأوقاف الّتي ترسخ قيمة الوفاء الأخلاقي داخل المجتمع، وتزيد من تماسكه وترسّخ في وجدانه قيمة الآباء والأمّهات كي يظلّ المجتمع يشعر بقيمة الترابط ومعنى الأسرة وفضائل التلاحم في مواجهة كثيرٍ من أسباب تفكّك المجتمعات وتحطيم كيان الأسرة وغير ذلك من البُنى الاجتماعية التقليدية التي هي صمام الأمان وضمانة الحياة الكريمة.

في هذا السياق الغنيّ بالعطاء من تاريخ المدينة، ومع تباشير شهر رمضان المبارك من هذا العام أطلق صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد «وقف الأب» ليكون شعار تكريمٍ لمعنى الأبوّة، ومَلْمَحًا من ملامح البِرّ بهم، تعزيزًا لما كان قد أطلقه في العام الماضي من «وقف الأم» بحيث تتكامل الرؤية الأخلاقيّة لحقوق الوالدين، وكانت الاستجابة رائعة في كلا الوقفين، حيث بادر أبناء هذا الشعب الطيّب المعطاء بالاستجابة إلى مبادرة سموه الذي يراهن على شعب عظيم الوفاء لقيمه، وتنويهًا بهذا الموقف الطيّب لأبناء دبي وتعبيرًا عن رضا صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد كتب تغريدة على حساباته في مواقع التواصل الاجتماعي أشاد فيها بالروح الوطنية الّتي ظهرت من خلال الدعم السخيّ لوقف الأب في هذا العام، مؤكِّدًا على أصالة هذا الشعب وبركة هذه البلاد.

«مع تباشير شهر الخير أطلقنا حملة وقف الأب الإنسانية، ومع خواتيمه المباركة نحمدالله على توفيقه، ونشكر جميع من شارك وساهم فيها، أكثر من 277 ألف مشارك، وبحصيلة بلغت ( 3.72) مليار درهم، نسأل الله أن يتقبّل منّا ومنكم صالح الأعمال»، بهذه الكلمات الرقيقة اللطيفة يحتفي صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد بهذا الإنجاز الإنساني الكبير المتمثّل في وقف الأب الذي أطلقه صاحب السمو مع بداية شهر رمضان المبارك، والذي اندفع إليه أبناء الوطن بعزيمةٍ تشهد بأصالتهم ورغبتهم الصادقة في فعل الخير ودعم مبادرات صاحب السمو، حيث وصل عدد المشاركين إلى أكثر من ربع مليون مشارك ممّن أسهموا بكل طيبة نفس في دعم هذا الوقف المبارك، ووصلت حصيلة دعمهم إلى هذا الرقم الذي يبعث السرور في النفس، ويؤكِّدُ رسوخ الشُّعور بقيمة عمل الخير داخل وجدان الإنسان الإماراتي، مما يستحقّون الشكر عليه والتنويه به، وهو ما عبّر عنه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد بهذه التغريدة الإنسانية اللطيفة الكريمة.

«هذه البلاد مبروكة، مبروكة بعمل الخير، ومبروكة بالإنجاز، ومبروكة بالتسامح، ومبروكة بالأمان والاستقرار والازدهار» وتعبيرًا عن مشاعر الفخر والغبطة بهذه البلاد وبالإنسان الإماراتي كرّر صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد لفظ «مبروكة» تعبيرًا عن عمق شعوره بالبركة التي هي من سمات هذه البلاد الّتي يعشق أهلها فعل الخير ويندفعون إليه بنفوسٍ طيّبة وأيادٍ سخيّة معطاءة، ويجمعون مع هذه الروح المعطاءة على مستوى فعل الخير روحًا قويّة في الإنجاز الذي يتمثّل في تقدّم بلادهم، ويتمثّل أيضًا في أخلاقيّة التسامح التي تُضفي على وطنهم مزيدًا من معالم الاستقرار، ويعرفون قيمة الأمن والأمان اللّذين هما ركيزة التقدم والازدهار.

«حفظ الله الإمارات، وحفظ شعبها وجميع من يقيم على أرضها الطيبة» وبهذه الكلمات الطيّبات يختتم صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد هذه التغريدة بالدعاء لله تعالى أن يحفظ الإمارات وشعبها وجميع من يقيم على أرضها تعبيرًا عن تقديره لأخلاق هذا الشعب السخيّ المعطاء الذي ورث هذه الروح النبيلة عن آباء صِدقٍ ورجالٍ عزّ نظيرهم بين الرجال.