بعد كل هذا التعنّت، والإصرار غير المبرّر من حكومة إسرائيل على اجتياح رفح، أصبحت كل الاحتمالات متوقعة، فالشرارة تمتد، والمذابح مستمرة، وكأن العالم لا قيمة له أمام جبروت وطغيان نتانياهو وزمرته.
لم تنفع المناشدات، ولم تنفع التحذيرات، ولم يتبقَّ غير التهديد، وقد سُرّبت الكثير من الأنباء حول ذلك، وبدأ الذين لا يتحدثون خشية «معاداة السامية» يرفعون أصواتهم، وكان آخرهم «بوريل»، ممثل الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي، الذي طالب بوقف تزويد إسرائيل بالسلاح حتى تتوقف عن قتل المدنيين في غزة، وشن هجوماً هو الأول من نوعه من الأوروبيين، الذين كانوا دوماً الداعمين والمساندين لإسرائيل، وقال إن العالم كله يطالب نتانياهو بعدم اجتياح رفح لتجمع كل السكان المهجّرين من القطاع فيها، وحذّر من كارثة إنسانية، ولكن كما قال: «نتانياهو لا يستمع لأحد»!
وإدارة بايدن شاركت في اتخاذ موقف يتماشى مع دول العالم الأخرى، وتحدثت عن مناقشات مع المسؤولين الإسرائيليين، وأعلنت عن تفاؤلها بإصغائهم لمطالبها بعدم دخول رفح قبل تأمين المدنيين، وللأسف، يبدو أن هذا الكلام ليس أكثر من «ذر الرماد في العيون»، فالكونغرس في الوقت نفسه كان يناقش ضخ مزيد من المساعدات العسكرية لإسرائيل، وهذا نفاق ما بعده نفاق، لكن العالم ليس الولايات المتحدة، وليست الولايات المتحدة هي العالم، ومثلها أوروبا التي تسير على خُطاها حتى لو صدّقنا «بوريل»!
ونتانياهو لا يدير العالم، نتانياهو هو طرف من أطراف هذا العالم، وقد أخذته العزّة بالإثم، وجعل من هذه المنطقة ساحة مفتوحة لكل الاحتمالات السيئة، فهو متجه بكامل قواه اللاعقلية نحو إشعال النيران إرضاءً لنفسه ولحلفائه المتطرّفين، والنار ستمسك بهم أولاً؛ لأنهم يقفون في وسطها، وبلاده ستكون الخاسر الأكبر من كل ما يحدث، فكل شيء عرضة للتصدّع، بل كل شيء تصدّع، وما يقال اليوم إنها تهديدات أُبلغت إليه، غداً ستكون حقيقة، وستعود الأوضاع إلى ما كانت عليه سابقاً.