إن الاقتصاد الأميركي في وضع جيد ولكن الركود القادم ـ ودائماً سيأتي الركود ـ سيكون سيئاً للغاية، فطبقاً لتقديرات مكتب التحليل الاقتصادي في الولايات المتحدة الأميركية فإن نمو الناتج المحلي الإجمالي في الربع الثاني من سنة 2018 وصل إلى 4.1 % - الأعلى منذ نسبة 4.9% والتي وصل إليها إبان حكم الرئيس باراك اوباما سنة 2014. إن سنة اخرى من النمو تعني تحقيق التوسع القياسي والذي استمر لفترة عشر سنوات في التسعينات وإذا أضفنا لذلك البطالة المنخفضة فإن الأمور تبدو جيدة بالفعل.

لكن هذا لا يمكن أن يستمر للأبد ونظراً لوجود دين تجاري عالمي ضخم وسوق أسهم أميركي مرتفع ـ نسبة السعر إلى الربح المعدلة دوريًا مرتفعة وفقًا للمعايير التاريخية ـ فإن احد العوامل التي قد تؤدي لحدوث انكماش في السنوات القادمة هو صدمة سلبية يمكن أن تؤدي إلى هبوط حاد في الأوراق المالية.

إن مثل تلك الصدمة قد تكون محلية بحيث تأتي على شكل تضخم متجدد أو تصاعد الحرب التجارية، وقد تأتي الصدمة من الخارج فعلى سبيل المثال فإن الأزمة المالية وأزمة العملة حاليا في تركيا قد تمتد إلى أسواق اخرى. إن ازمة اليورو لم تنته فعلياً على الرغم من اكتمال برنامج انقاذ اليونان علماً أن إيطاليا على وجه الخصوص تمثل مصدراً كبيراً للخطر وحتى الصين معرضة لتباطؤ النمو ومستويات مرتفعة من الدين.

بغض النظر عن الشرارة المباشرة التي ستؤدي لحدوث مثل تلك الصدمة فإن العواقب ستكون وخيمة بالنسبة للولايات المتحدة الأميركية وذلك لسبب بسيط وهو أن الحكومة الأميركية مستمرة في سياسات مالية وسياسات تحوطية كلية وحتى سياسات نقدية تساير الدورات الاقتصادية وعلى الرغم أن من الصعوبة بمكان معرفة التوقيت الصحيح بالضبط للتقلبات الاقتصادية فإن هذا لا يعتبر عذراً لتبني سياسات تساير الدورات الاقتصادية وهو نهج يضع الولايات المتحدة الأميركية في وضع ضعيف عند إدارة الصدمة المحتومة القادمة.

عند حدوث الازدهار الاقتصادي، فإن عجز الميزانية عادة ما ينخفض أو على الأقل كجزء من الناتج المحلي الإجمالي ولكن مع تبني الولايات المتحدة الأميركية الآن لأكثر سياسات التوسع المالي المسايرة للدورات الاقتصادية راديكالية منذ اواخر الستينيات وربما منذ الحرب العالمية الثانية، فإن مكتب الميزانية التابع للكونغرس يتوقع بأن عجز الحكومة الفيدرالية الذي ينمو بسرعة سيتجاوز تريليون دولار أميركي هذا العام.

إن العجز في أميركا يتضخم من جانبي الإيرادات والنفقات وعلى الرغم من انه كانت هناك حاجة لتخفيض معدل الضريبة على الشركات فإن قانون الضرائب الذي قام الجمهوريون بالكونغرس بتشريعه في ديسمبر الماضي لم يؤدِ إلى عدم تأثر الإيرادات كما كان من المفترض أن يكون عليه الحال وكما كان الوضع إبان حكومات رونالد ريغان وجورج بوش الابن الجمهورية فإن إدارة ترامب تدعي أنها تفضل الحكومة التي لا تتدخل كثيرا في حياة الناس، إلا أنها في واقع الأمر مبذرة للغاية وكنتيجة لذلك فعندما يحصل الركود مجدداً فإن الولايات المتحدة الأميركية لن تكون لديها المساحة المالية للتعامل مع مثل ذلك الركود.

إن تبني رفع الإدارة الأميركية القيود المالية هو أيضاً يساير الدورات الاقتصادية ويزيد من التقلبات في السوق. لقد ألغت الإدارة والكونغرس الذي يسيطر عليه الجمهوريون قانون حكم الأمانة لأوباما والذي كان سيفرض على المستشارين الماليين المحترفين وضع مصالح زبائنهم أولاً عندما يقدمون لهم المشورة فيما يتعلق بالأصول التي يتم استثمارها من خلال خطط التقاعد. لقد قاموا أيضا بالتراجع عن أحكام منطقية تتعلق بالتمويل الإسكاني بما في ذلك أحكام تحمل مسؤولية المخاطر والتي تجبر الأطراف التي تنشئ الرهن العقاري على تحمل بعض المخاطر بالإضافة إلى متطلبات تتعلق بقيام المقترضين بتقديم دفعة أولى كبيرة من اجل التحقق من قدرتهم على الدفع.

لقد عمل البيت الأبيض والكونغرس كذلك على إلغاء قانون دود-فرانك لإصلاح وال ستريت وحماية المستهلكين لسنة 2010 والذي عمل على تعزيز النظام المالي بطرق عديدة بما في ذلك فرض متطلبات رأسمال أعلى على البنوك وتحديد «المؤسسات المالية المهمة منهجياً» بالإضافة إلى طلب المزيد من الشفافية فيما يتعلق بالمشتقات المالية كما يتم الآن الحد من عمل مكتب الحماية المالية للمستهلكين - والذي أسسه قانون دود - فرانك من اجل حماية المقترضين الذين يعانون من قروض صغيرة ذات فوائد مرتفعة وقروض دراسية وقروض مركبات.

إن قانون دود - فرانك هو تشريع يمكن تحسينه كما هو الحال في معظم التشريعات الاخرى. لقد كانت تكاليف الالتزام مرتفعة بشكل مبالغ به وخاصة بالنسبة للبنوك الصغيرة والعتبة الأصلية لفحص صلابة البنوك ومرونتها «المؤسسات الكبيرة جدا على الفشل» - اصول بقيمة 50 مليار دولار اميركي- كانت قليلة جدا ولكن القيادة الأميركية الحالية ذهبت بعيداً جداً في الاتجاه المعاكس بما في ذلك رفع عتبة اختبارات فحص صلابة البنوك ومرونتها إلى 250 مليار دولار اميركي وعدم الطلب من المؤسسات غير المصرفية الالتزام وهذا يزيد من مخاطر العودة الحتمية لأزمة مالية تشبه تلك التي حصلت في 2007-2008.

لقد وصلنا إلى النقطة الصحيحة ضمن الدورة الاقتصادية من اجل رفع متطلبات رأس المال المتعلقة بالبنوك كما دعا لذلك قانون دود- فرانك علماً أن ذلك سيخفف من تأثير أي خطر لأزمة مصرفية مستقبلية.

إن هناك دولاً اخرى تنفذ السياسة التحوطية الكلية بشكل افضل فلقد قام الأوروبيون بتطبيق متطلبات رأس المال التي تخفف من التقلبات الاقتصادية على مصارفهم. إن بعض الدول الآسيوية ترفع من متطلبات الاحتياط للمصارف وسقف قروض أصحاب المنازل مقارنة بالقيمة خلال فترات الازدهار الاقتصادي وتخفضها خلال فترات الانكماش.

عندما يتعلق الأمر بالسياسة النقدية فإن الاحتياطي الفيدرالي الأميركي يؤدي بشكل جيد ولكن استقلاله يتعرض لضغوط بشكل متزايد من السياسيين الجمهوريين ولو نجح هذا الهجوم فإن السياسة النقدية المتعلقة بالتقلبات الاقتصادية ستتأثر سلباً.

 

* أستاذ في تشكل رؤوس الأموال ونموها في جامعة هارفارد

opinion@albayan.ae