أصدر برنامج المقارنات الدولية التابع للبنك الدولي للتو أحدث مقاييسه لمستويات الأسعار والناتج المحلي الإجمالي في 176 دولة، وكانت النتائج مذهلة. فللمرة الأولى على الإطلاق، يجد برنامج المقارنات الدولية أن إجمالي الدخل الحقيقي (المعدل حسب التضخم) في الصين أكبر قليلاً من دخل الولايات المتحدة. على أساس تعادل القوة الشرائية، كان الناتج المحلي الإجمالي لعام 2017 في الصين 19.617 تريليون دولار أمريكي، في حين بلغ في الولايات المتحدة 19.519 تريليون دولار.

 

بالطبع، عند تقسيم إجمالي الدخل في الصين على عدد سكانها الهائل، تتغير الصورة. على أية حال، لكل من المفهومين ــ إجمالي الدخل ونصيب الفرد في الدخل ــ آثار واضحة في ما يتصل بالمسائل الجيوسياسية، ولهذا يتعين على المرء أن ينظر فيهما بشكل منفصل. تريد الصين أن تُـعـامـل معاملة الدولة النامية ، ويُـظـهِـر رقم نصيب الفرد في الدخل حسب برنامج المقارنات الدولية أنها كذلك على وجه الدقة. ولكن عندما يتعلق الأمر بسياسات القوة ونفوذ الصين في المؤسسات الدولية، يصبح إجمالي الدخل أكثر أهمية.

يقارن برنامج المقارنات الدولية بين البلدان على أساس تعادل القوة الشرائية، وهي الطريقة الصحيحة عند حساب نصيب الفرد في الدخل، لكنه من المحتمل أن يفرض مشكلة عند استخدامه لتقييم القوة الجيوسياسية. ولعل النهج الأفضل في تقييم القوة الجيوسياسية يتمثل في مقارنة الناتج المحلي الإجمالي الوطني بأسعار الصرف الفعلية، وفي هذه الحالة يتضح أن الاقتصاد الأمريكي متقدم كثيراً على الاقتصاد الصيني.

استندت هذه النتائج إلى قراءة البيانات على أساس تعادل القوة الشرائية. المشكلة، المألوفة بين خبراء الاقتصاد الدوليين، هي أن الناتجين الصيني والأمريكي يقاسان بعملة كل من البلدين. فكيف يترجم المرء الأرقام حتى تصبح قابلة للمقارنة؟

يتمثل الحل الواضح في استخدام سعر الصرف المتزامن: ضرب الناتج المحلي الإجمالي الصيني المقاس بالرنمينبي في سعر صرف الدولار مقابل الرنمينبي، ليصبح معبراً عنه بالدولار. على هذا الأساس، يظل الاقتصاد الأمريكي (19.519 تريليون دولار) أكبر من نظيره الصيني (12.144 تريليون دولار) بأكثر من 50 %، وفقاً لأحدث الأرقام.

على النقيض من ذلك، يعتبر قياس الناتج المحلي الإجمالي على أساس تعادل القوة الشرائية أكثر ملاءمة لمقارنة مستويات المعيشة. الواقع أن مقياس تعادل القوة الشرائية له العديد من الاستخدامات، لكن تقييم القوة الجيوسياسية ليس أحد هذه الاستخدامات. فهو لا يفيد في الإجابة عن السؤال الأساسي الذي يركز عليه أغلب المعلقين: كيف يُـقارَن حجم الصين اقتصادياً بنظيره الأمريكي في المسابقة الأوسع من أجل الفوز بالسطوة العالمية؟

في الإجابة عن هذا التساؤل، ربما يكون الاعتبار الأكثر صِـلة هو على سبيل المثال كم من الأموال يمكن أن تسهم به الصين في صندوق النقد الدولي وغيره من الهيئات المتعددة الأطراف، وكم من قوة التصويت ينبغي لها أن تحصل عليه في المقابل.

في اللحظة الراهنة، تتمتع الصين بنفوذ أقل كثيراً من نفوذ الولايات المتحدة في صندوق النقد الدولي. ولكن في عهد الرئيس دونالد ترامب، تتخلى الولايات المتحدة عن نفوذها في المنظمات المتعددة الأطراف. ولا ينبغي لأحد أن يندهش عندما تسارع الصين إلى شغل الفراغ.

إن الولايات المتحدة لا تفتقر إلى القوة الاقتصادية أو المالية اللازمة للحفاظ على قيادتها التي دامت 75 عاماً للنظام الدولي. ولكن حالياً، نسيت أمريكا السبب وراء أهمية هذه المكانة القيادية، وهي الآن تلقي بقوتها وسمعتها إلى النسيان.

* أستاذ تكوين رأس المال والنمو في جامعة هارفارد.