تُعد آسيا قوة تكنولوجية عظمى. وفقاً لبحث جديد أجراه معهد ماكنزي العالمي، على مدى العقد الماضي، كانت المنطقة تُمثل 52 % من النمو العالمي في عائدات شركات التكنولوجيا، و43 % من تمويل الشركات الناشئة، و15 % من الإنفاق على البحث والتطوير، و87 % من براءات الاختراع المُقدمة. كيف نجحت آسيا في الوصول إلى هذه المرحلة، وما هي الدروس التي يمكن لبقية العالم استخلاصها من نجاحها؟
بطبيعة الحال، آسيا ليست كتلة مُتراصة، ولا تزال الفجوات التكنولوجية داخل المنطقة هائلة. على سبيل المثال، تضم الهند عدداً قليلاً من شركات التكنولوجيا الكبرى مقارنة بالاقتصادات الكبرى الأخرى. ومع ذلك، فإن أربعاً من أكبر عشر شركات تكنولوجية في العالم من حيث القيمة السوقية هي شركات آسيوية.
باعتبارها موطناً لحوالي 26 % من الشركات العالمية الصاعدة (الشركات الناشئة التي يصل رأسمالها إلى مليار دولار أو أكثر)، تُعد الصين رائدة في مجال الأعمال التكنولوجية في آسيا، على الرغم من أنها لا تزال تعتمد على المدخلات الأجنبية في التكنولوجيات الأساسية. وعلى النقيض من ذلك، تتمتع الاقتصادات الآسيوية المتقدمة مثل اليابان وكوريا الجنوبية بشركات تكنولوجية كبرى وقاعدة معرفية ضخمة، في حين لا تضم سوى عدد ضئيل نسبي من الشركات الصاعدة. لا تزال الاقتصادات الناشئة في آسيا تستثمر القليل نسبياً في الابتكار، ولكنها تُوفّر أسواقاً متنامية للسلع والخدمات التي تنتجها شركات التكنولوجيا الرائدة في آسيا.
في ظل هذه الخلفية، كان يتعين على الدول الآسيوية الاستفادة من التعاون للتغلب على الانقسام وسد الفجوات التكنولوجية. وقد أحرزت تقدماً ملحوظاً في السنوات الأخيرة. وعلى وجه الخصوص، عملت هذه الدول على الاستثمار على نحو متزايد في الشركات التكنولوجية الناشئة الإقليمية وسلاسل إمداد التكنولوجيا الإقليمية القوية - تأتي حوالي 70 % من هذه الاستثمارات من داخل آسيا.
في حين تستمر عملية إعادة تشكيل سلاسل الإمداد التكنولوجية في آسيا أثناء تطورها، فقد حدثت التحولات إلى حد كبير داخل المنطقة.
إن التعاون بين الدول ليس سوى جزء من المعادلة. عملت الحكومات الآسيوية أيضاً مع شركات التكنولوجيا المحلية لتحقيق أهداف في مجالات مثل الطاقة المتجددة والذكاء الاصطناعي. أثناء هذه الجائحة، كانت هذه الشراكات أساسية لتنفيذ استراتيجية التتبع والتعقب في كوريا الجنوبية، وبرامج الاستجابة الصحية السريعة في الصين وسنغافورة. تعمل آسيا أيضاً على تطوير نماذج جديدة للتعاون عبر النظم البيئية الرقمية لمساعدة الشركات والمجتمعات على مشاركة الموارد والمعلومات بشكل أكثر فعالية.
قد تجد الاقتصادات الآسيوية بلا شك صعوبة في اللحاق بالركب والتنافس في بعض قطاعات التكنولوجيا الراسخة - مثل تصميم أشباه الموصلات أو برمجيات أنظمة التشغيل - حيث تتمتع الدول الأخرى بمكانة رائدة في السوق. ومع ذلك، لا أحد يستطيع إنكار التقدم الهائل الذي أحرزته آسيا في مجال التكنولوجيات الجديدة، والذي غالباً ما يتم تحقيقه من خلال قوتها الحالية في التصنيع والبنية التحتية.
استفادت الشركات الآسيوية من البنية التحتية المتطورة في المنطقة لتضع نفسها في طليعة عملية تطوير ونشر تقنية شبكات الجيل الخامس. من بين الشركات الخمس التي تمتلك غالبية براءات اختراع تكنولوجيا الجيل الخامس، هناك أربع شركات آسيوية. وبالمثل، فإن مكانة المنطقة القوية في الجيل التالي من بطاريات السيارات الكهربائية - تم تسجيل أكثر من نصف براءات الاختراع العالمية لبطاريات الحالة الصلبة في آسيا - نتجت عن الاستفادة من مواطن قوتها الحالية.
في الواقع، هناك فرص جديدة أيضاً مُتاحة أمام آسيا. في حين تتوسع الأسواق الاستهلاكية في المنطقة وتتحول إلى النظام الرقمي بسرعة، لا يزال هناك مجال كبير للنمو والابتكار في التقنيات المُوجهة للمستهلكين.
وبالمثل، يمكن لآسيا توسيع دورها في السوق المتنامية لخدمات تكنولوجيا المعلومات الرقمية، مثل البيانات الضخمة والتحليلات، وتحديث التراث الرقمي. بعد كل شيء، تتمتع المنطقة بمجموعة ضخمة من المواهب التكنولوجية، حيث أنتجت الهند وحدها ثلاثة أرباع خريجي العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات في العالم بين عامي 2016 و2018.
كما يُساهم التعرض لآثار تغير المناخ - من موجات الحر المميتة إلى الفيضانات واسعة النطاق - في دفع عجلة التقدم في المنطقة. تمتلك آسيا بالفعل أكبر حصة من الطاقة المتجددة المُركبة، بنسبة 45 %، مقارنة بحوالي 25 % في أوروبا و16 % في أمريكا الشمالية. وتتوقع الوكالة الدولية للطاقة ارتفاع هذه النسبة إلى 56 % في عام 2040. وبدعم من الاستثمارات في مشاريع البحث والتطوير والبنية التحتية الجديدة، ستتمكن آسيا من ترك بصمتها في العالم من خلال الحلول التكنولوجية لمخاطر المناخ.
يُعد التطور السريع الذي شهدته آسيا باعتبارها رائدة عالمية في مجال التكنولوجيا خلال العقد الماضي دليلاً على قوة التعاون. ومع ذلك، في معظم دول العالم، يتجه المد نحو الانعزالية والحمائية. في الواقع، بعد سنوات من الانفتاح النسبي، تُهدد الحواجز التجارية المتزايدة بعرقلة التدفقات العالمية للتكنولوجيا والملكية الفكرية.
قد يُساهم ذلك في تقويض الإمكانيات في العديد من القطاعات الأساسية. وفقاً لمحاكاة معهد ماكينزي العالمي، قد تكون قيمة اقتصادية تتراوح بين 8 و12 تريليون دولار على المحك بحلول عام 2040، وهذا يتوقف على جودة ومستوى التدفقات التكنولوجية بين الصين وبقية العالم. تعتمد العديد من أسواق التكنولوجيا الفائقة - بما في ذلك السيارات الكهربائية وتخزين البطاريات وشاشات العرض المتقدمة - على الاستثمار الآسيوي ونمو السوق من أجل تحقيق التقدم على الصعيد العالمي.
من المرجح أن تستمر آسيا في إحراز التقدم التكنولوجي. ولكن لتحقيق أقصى قدر من التقدم - والخطوات التي تم إحرازها في أماكن أخرى - يظل تعزيز التعاون التكنولوجي داخل وفيما بين المناطق أولوية بالنسبة لآسيا وبقية العالم.
* الشريك الأول ومدير معهد ماكينزي العالمي ومؤلف مشارك في كتاب «ليس اضطراباً عادياً: القوى العالمية الأربع التي تحطم كل الاتجاهات».
* زميل أول في معهد ماكينزي العالمي في شنغهاي.