لم يكن الراحل الأمير فيليب دوق أدنبرة وزوج الملكة متميزاً بسبب كونه فقط زوج الملكة إليزابيت، بل أيضاً لكونه امتلك شكيمة وقوة إرادة وحباً للكفاح في الحياة، وجسد الروح الوطنية والعزيمة بأبهى صورهما، وقد ثبت ذلك في جملة مواقف، جعلته بحق جديراً بما كان ينظر إليه في المملكة المتحدة: على أنه العم العظيم.

إن من الأمثلة الشهيرة المثيرة واللافتة بشأن أسلوب وقناعات الأمير الراحل، الذي توفي قبل فترة زمنية قصيرة، هو أنه لم يستسغ أو يقبل، مثلاً، بكون العسكريين اليوم بحاجة لعلاج نفسي، حيث أشار إلى تجربته خلال الحرب العالمية الثانية قائلاً: «لم يكن لدينا معالجون نفسيون يهرعون إلينا في كل مرة يطلق شخص النار قائلين: هل أنتم بخير؟ هل أنتم متأكدون أنه لا يوجد لديكم مشكلة؟ فلقد كنا نقوم بما يتوجب علينا عمله».

لو أن وفاة فيليب تعني أنها أيضاً نهاية رمز الرزانة البريطانية فهل يتوجب علينا أن نحزن على هذه الخسارة أيضاً علماً بأنه في الماضي كان هناك إعجاب على نطاق واسع بهذه العزيمة الرزينة والتي تتميز بها الشخصية البريطانية. عندما كانت المملكة المتحدة القوة التي تقود العالم، كان يبدو أنها وصلت لهذه المكانة بسبب نهج «عدم التذمر» في مواجهة الحياة، وبالطبع تجلى هذا السلوك بشكل واضح عندما قاومت بريطانيا الهجوم النازي والذي كان قد اجتاح بالفعل جاراتها الأوروبيات.

لقد انضم المستكشف البريطاني لورنس أوتس في مارس 1912 إلى بعثة بريطانية في القطب الجنوبي، وقد فشلت البعثة حيث توسّل أوتس ـ والذي كان يعاني من الغرغرينا وقضمة الصقيع ـ أصحابه أن يتركوه وينجوا بأنفسهم وعندما رفضوا، قال لهم بشكل عرضي: «سوف أخرج للتو وربما لبعض الوقت»، ولكنه لم يعد مطلقاً لخيمة المجموعة ولكن كلماته الأخيرة لا تزال باقية ما عزز من الرزانة البريطانية في طول المملكة المتحدة وعرضها.

إن من المستحيل تصور أن جيل أوتس كان سيلجأ للتنفيس عن كل ما يدور في أذهانهم في لقاء مع أوبرا وينفري، ولكن حفيد فيليب الأمير هاري قام مؤخراً بعمل ذلك على وجه التحديد، فهل فقدت المملكة المتحدة شخصيتها القوية والصامتة؟

لقد توصل علماء النفس إلى حقيقة مفادها أن الثقافات الوطنية المختلفة عادة ما تعكس وتغرس في الذهن أساليب وطرق حياة مميزة، فمعظم بلدان أوروبا الشمالية وتلك الناطقة باللغة الإنجليزية وأمريكا اللاتينية هي عبارة عن ثقافات تميل بشكل كبير إلى العيش الرغيد (أي تفضل الترفيه ونوعية حياة أفضل) في حين تميل دول شرق آسيا إلى عدم الاهتمام كثيرا بالترفيه والاهتمام بشكل أكبر بأن يكون لدى المرء ثقافة العمل القوية.

بالطبع بينما إخفاء الحالة العقلية الحقيقية عن الآخرين قد يؤدي إلى المزيد من التفاعلات الاجتماعية الناجحة، إلا أن الجهد المبذول من أجل عدم تحميل الآخرين عبء المشاعر العاطفية التي تثقل الكاهل يمكن بالطبع أن تتجاوز الحدود. إن الخطر بالنسبة للقامعين أنه من الممكن أن يخدعوا أنفسهم بالنسبة لمشاعرهم الحقيقية وبينما «العاطفيون» يسعون في الغالب للمساعدة النفسية من الآخرين مبكراً، فإن القامعين عادةً ما يتأخروا في طلب المساعدة أو لا يطلبونها مطلقاً.

وبالتالي، في حين أن كوريا الجنوبية تحتل مرتبة أعلى من المملكة المتحدة في ضبط النفس، فإنها تسجل معدلات أعلى بكثير في حالات الانتحار مقارنة بعدد سكانها وعلى الرغم من تفوقها في التعامل مع الجائحة، فإن زيادة حالات الانتحار وإيذاء النفس بسبب الجائحة كانت أعلى بكثير من الدول الغربية التي فشلت في السيطرة على الفيروس.

إن المفتاح كما هو الحال في معظم الأمور هو إيجاد التوازن الصحيح.

والآن وبوفاة فيليب، يتوجب علينا أن نحافظ على أسلوبه القائم على الفطنة مع سرعة ردة العفل فربما نجد أن هذا الأسلوب مفيد في أزمتنا القادمة.

* أستاذ علم النفس ومؤلف كتاب

اللقاح العقلي لكوفيد 19، أمبريلي برس،2021.